بين الفريقين دارت حول مسألة الوحدة والتّعدّد ، وانتقال الجوهر الالهى وتحيّزه وقبوله للأعراض (١).
ولم يكن بالميدان يهودى ونصرانى فقط ، بل كان هناك أصحاب المانوية والمزدكية والزرادشتية ، الذين فتح الإسلام بلادهم فدخلوا فيه طوعا أو كرها ، ثم حين هدأت موجة الفتوح واستقرت الحال ، ثاب هؤلاء إلى رشدهم وأخذ بعضهم يجادل فى الدين بمنطق دينه القديم.
وإذا وقف هؤلاء جميعا فى دائرة خارج الإسلام ، فقد وجد من المسلمين أنفسهم من شوّه صورته وغلا فيه غلوا فاحشا ، ومنهم فريق من الشيعة ، وفريق من أهل الحديث. فقال غلاة الشيعة والرافضة منهم بأسرها : بأن لله تعالى قدّا وصورة وأنّه جسم وذو أعضاء ، ووضع كثير من أهل الحديث والرواة والقصّاص أحاديث وروايات ، فيها من تشبيه الله بخلقه ووصفه بصفات البشر ما لا يليق بالعظمة الإلهية (٢).
كانت هذه أخطارا واجهت الاسلام وطعنته فى الصميم ، وهى عادة ما تبدأ فى شكل متفرق ثم تتجمع وتقوى وتصير تيارا جارفا يقلع السدود ويغرق الوديان.
ولم يسكت علماء المسلمين ولا المعتزلة ووقفوا بالمرصاد وفى عنف لهذه المحاولات الخبيئة.
وأمام تثليث المسيحية وتجسيم الحشويّة أعلن المعتزلة مبدأ «التوحيد» الخالص لله تعالى ، فالله تعالى واحد «ليس كمثله شىء» «لا تدركه الأبصار» ولا تحيط به الأقطار ، وأنه لا يحول ولا يزول ولا يتغيّر ولا ينتقل وأنه «الأول والآخر والظاهر والباطن» وأنه «فى السماء إله وفى الأرض إله» وأنه «أقرب إلينا من حبل الوريد» «وما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا
__________________
(١) نفس المرجع ـ ٥٦ و ٦٨.
(٢) انظر فى التشبيه ما ورد فى كتب الملل والنحل ـ د. نيبرج ـ مقدمة الانتصار للخياط ص ٣ وما بعدها. والدكتور النشار ـ نشأة الفكر الفلسفى ـ ٦٣٠ وما بعدها ، والدكتور محمد يوسف موسى ـ القرآن والفلسفة ـ ٦١. ودائرة المعارف الإسلامية مادة «تشبيه» ومحمد زاهد الكوثرى ـ مقدمة تبين كذب المفترى ـ ص ٣٠.