أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا» وأنه القديم وما سواه محدث (١).
وأمام المجبّرة وعلى رأسهم جهم بن صفوان الذى رأى أن «لا فعل لأحد فى الحقيقة إلا لله وحده ، وأنّه هو الفاعل وأنّ الناس إنمّا تنسب إليهم أفعالهم على المجاز ، كما يقال تحركت الشجرة ، ودار الفلك ، وزالت الشمس ، وإنما فعل ذلك بالفلك والشجرة الله سبحانه» (٢) وأمام بعض من قال بوقوع الظلم من الله تعالى من الرافضة ، وضع المعتزلة مبدأهم الثانى فى «العدل الإلهي» وناظروا الجهمية ، وأرسل واصل بعض أصحابه إلى خراسان لمباحثة جهم ومنازلته ـ وقد صرح الخياط ببغض المعتزلة لجهم والبراءة منه (٣) ، ونادوا بأن العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرّها ، مستحق على ما يفعله ثوابا وعقابا فى الدار الآخرة ، والرب تعالى منزّه عن أن يضاف إليه شر أو ظلم ، وفعل هو كفر أو معصية ، لأنه لو خلق الظلم كان ظالما ، ولو خلق العدل كان عادلا والله تعالى لا يفعل إلا الصلاح والخير ، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد (٤).
وقد مر بنا سرد المشكلة الكبرى التى واجهت المسلمين عقيب مقتل عثمان ، وهى الحكم على مرتكب الكبيرة هل هو كافر أم فاسق ، وكيف ذهب المعتزلة فيها بأنه فى منزلة بين المنزلتين ، ومن ثمّ أخذ المعتزلة يحددون معنى الإيمان معتمدين على منهج فكرى دقيق ، وسار واصل فى مقدمتهم ، وتابعه فى طريقه الخلفاء والأتباع من المعتزلة.
أريد أن أقول ، إن المبادئ التى أعلنها المعتزلة وأجمعوا على شرحها والتفصيل فيها ، لم تلق جزافا ـ ولكنها فى حقيقة الأمر دفاع عن الإسلام فى مختلف الميادين ، وأمام عديد من الآراء التى أرادت أن تنال من الإسلام أو من القرآن أو من حرية تفكير المسلم.
__________________
(١) الخياط ـ الانتصار ـ ص ٥.
(٢) انظر الأشعرى ـ مقالات الإسلاميين ١ / ١٣٢. والشهرستانى ـ الملل والنحل ـ ١ / ١١٣ وما بعدها والبغدادى ـ الفرق بين الفرق ١٣٨ ـ والإسفرايينى ـ التبصير فى الدين ٦٣.
(٣) الدكتور نيبرج ـ مقدمة الانتصار للخياط ـ ٥٤.
(٤) انظر فى هذا القاضى عبد الجبار ـ شرح الأصول الخمسة ـ ١٣٣. تحقيق الدكتور عبد الكريم. عثمان. الطبعة الأولى ١٩٦٥ م القاهرة.