فهؤلاء الذين طعنوا فى القرآن ، ذلك النص السماوى ، وجدوا من المعتزلة من يثبت إعجاز القرآن ، ويعدّد طرقه ، وهؤلاء الذين طعنوا فى نبوة الرسول ، وجدوا أيضا من المعتزلة من يدحّض آرائهم ويفندها. وسبق أن رأينا المهدىّ يشجع المعتزلة فى الرد على الرافضة والملحدين ، ويقول الدكتور نيبرج «وإذا شئت البرهان على ذلك. فانظر إلى مجالس أبى الهذيل مع هشام ابن الحكم ، ومجادلات النظّام مع رافضة عصره ، والمناظرات بين السكاك الرافضى وبين الإسكافى وجعفر بن حرب ، وإلى ما عمله الجاحظ حين سلّ صارمه عليهم ، ولم تقتصر المعتزلة على الرافضة ، بل دعاهم الحال وما وجدوا الرافضة عليه من الصّلة بالثّنوية إلى أن يحولوا الحرب إلى مخالفيهم ويحاصروا قلعتهم ويحملوا على مخازنهم. فتهجموا على الثّنويّة والدّيصانيّة والدّهريّة وغيرهم ممن استمد الرافضة منهم ولم يسبقهم فى الإسلام أحد إلى الرد بمثل هذا المقدار» (١).
وهكذا تسير المعتزلة فى طريقها قدما إلى الأمام ، يعقدون المناظرات ويؤلفون الكتب ويطاردون أعداء الإسلام يساعدهم فى ذلك صلتهم بالخليفة القائم وقوة شخصيتهم وأيمانهم بقضيتهم (٢).
وسار بهم الركب حتى عصر «المأمون» ، وكان محبّا لهم شغوفا بآرائهم معجبا بكفاحهم ، وفى عهده ، أرادوا أن يبلغوا المدى وأن يجعلوها دولة اعتزالية ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقول بقدم الله وبأن ما عداه محدث ، وأنه لا يرى يوم القيامة ، فكل شىء مخلوق إلا الله تعالى ، حتى القرآن الكريم ، فمن آمن بقدم القرآن فقد جعل لله قديما معه ، ومن ثم فهو كافر وعلى الخليفة أن يردّه إلى حظيرة الإسلام ، وإلا ، فهو مرتد.
مشكلة خلق القرآن :
نظر المعتزلة إلى القرآن نظرتهم إلى الكلام الذى يتألف من حروف وأصوات ، أى أنهم قاسوه على الكلام بمعناه المتداول ، فهم يريدون به فعل المتكلم الذى يعبّر به عن المعانى التى تدور بنفسه لكى يعلمها المخاطب ، وإذا كان القرآن يتألف
__________________
(١) الدكتور نيبرج ـ مقدمة الانتصا ـ ٥٧.
(٢) الخياط ـ الانتصار ـ ٤.