من كلمات وكانت هذه حادثة ، فلا بد أن يكون القرآن حادثا ، وليس قديما لأنه ليس صفة من صفات الله ، بل هو فعل من أفعاله ، والله تعالى يخلق الكلا فى اللوح المحفوظ ، أو فى جبريل أو فى الرّسل ، وقد استدلوا على آرائهم هذا بأدلة شرعية وعقلية.
أما هؤلاء الذين يقولون بأن القرآن كلام الله وأنه صفة قديمة فيصفهم المعتزلة بأنهم أهل جهالة وعمى ، وأنهم بعيدون عن الدين الحقيقى وعن التوحيد بصفة خاصة ، إذ ينتهون بالضرورة ـ فى رأى المعتزلة ـ إلى القول بتعدد الصفات القديمة ، وإنما وصفوهم بضعف الرأى ونقص العقل لأنهم يسوّون بين الله سبحانه وبين ما جاء فى القرآن ، مع أن آيات القرآن نفسها تشهد بأنه مخلوق لله (١).
وقد أظهر المأمون القول بخلق القرآن ولكنه لم يصمّم على حمل الناس عليه إلا سنة ٢١٨ ه (٢) وحدثت المحنة التى ابتلى بها الناس ، وقد أرسل المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره فيه بامتحان القضاة والشهود فى القرآن وحدث ما حدث للامام ابن حنبل ، ودارت بينه وبين المعتزلة مناقشات طويلة سجلتها كتب التاريخ والأشاعرة.
واشتد الأمر على الناس فى عهده وعهد أخيه ـ ثم فى عهد الواثق ـ ولم تنقشع الغيوم إلا على يد المتوكل. ومع ذلك فان المتوكل كان بطيئا فى حركته ضد المعتزلة ولم يصل تنكّره للمعتزلة إلى الذروة إلا بعد مراحل وأدوار (٣).
والواقع أن هزيمة المعتزلة لم تكن تنتظر المتوكل بل كانت هناك ارهاصات تنذر بالانهيار ، وجعلتهم قضية خلق القرآن على الحافة ، فانحدروا متمهلين حتى جاء من دفعهم دفعا.
فقد خالف المعتزلة طريقة السلف الصالح فى فهم عقائد الدين ، وذهبوا بعيد
__________________
(١) القاضى عبد الجبار ـ تنزيه القرآن عن المطاعن ـ ٣٦٣ و ٣٦٩ و ٤٧٠.
(٢) الطبرى ـ تاريخ الأمم ـ ١٠ / ٢٧٩ و ٢٨٤.
(٣) ابن الأثير ـ الكامل ـ ٧ / ١٨ ، الطبرى ـ تاريخ الأمم ـ ١١ / ٤٥ و ٤٦ واليعقوبى ـ ٢ / ٥٩٧.