فى تقدير العقل «لأن به يميّز بين الحسن والقبيح ، ولأن به يعرف أن الكتاب حجّة وكذلك السنة والإجماع» (١) وللعقل نزوات.
وقد قاموا بمجادلة الزّنادقة والثّنوية وغيرهم فتأثروا بآراء مخالفيهم وأفكارهم (٢) وقد خاصم المعتزلة كثيرين من رجال كانت لهم منزلة كبيرة فى الأمة ولم ينزّهوا كلامهم فى خصومهم (٣) وحين جاء عصر المأمون أوذى كثير من الفقهاء والمحدثين ، فاستدرت محنتهم عطف الناس عليهم والسّخط على من كان سببا فى البلية (٤).
ولم يكن الخلفاء متحمسين دوما لقضية خلق القرآن ـ كما يبدو ـ فقد حكى عن المأمون أنه كان مترددا قبل أن يفرض على الناس هذه العقيدة (٥) ويظهر أن المعتصم على غلوّه فى الاعتزال ، وإسرافه فى المحنة ، كانت تعتريه فترات يفتر فيها ، ذكروا أنه قال لابن حنبل حين جىء به ليمتحن «لو لا أنى وجدتك فى يدى من كان قبلى ما عرضت لك» (٦) وحين ضرب حتى غشى عليه ـ وابن حنبل مصمم على موقفه ـ ندم المعتصم على ضربه واطلقه (٧) وأما الواثق فقد سعى إليه ثمامة بن أشرس بأحدهم ، وقال أنه يكفر من ينكر الرؤية السعيدة ويقول بخلق القرآن ، فقتله ثم ندم على قتله ، وعاتب ثمامة وابن أبى دؤاد على ذلك ولم يهدأ حتى اقسما أن قتله كان على حق (٨).
هذا. وقد انشق عليهم رجال منهم لهم شأنهم كأبى عيسى الوراق (٩) وابن الراوندى الذى جنح إلى الرافضة ، وألف لهم كتاب (الإمامة) وتقرّب إليهم بالطعن فى المعتزلة (١٠).
__________________
(١) القاضى عبد الجبار ـ متشابه القرآن ١ / ٤١. الهامش. نقلا عن مخطوط فضل الاعتزال للقاضى عبد الجبار ورقة ٢. تحقيق الدكتور محمد عدنان زرزور ـ الطبعة الأولى القاهرة ١٩٦٩ م ـ دار التراث.
(٢) الدكتور نيبرج ـ مقدمة الانتصار ـ ص ٥٩ وانظر محمد أبو زهرة ـ أبو حنيفة ـ ١٥٠.
(٣) انظر ابن قتيبة ـ فيما حكاه عن النّظّام حين نقد الخلفاء أبا بكر وعمر وعليا وجماعة من الصحابة. تأويل مشكل الحديث ٢٤ الى ٢٨ والطبعة الأولى ط كردستان القاهرة ١٣٢٦ ه.
(٤) ابن الأثير ـ الكامل ـ ٧ / ٨ والطبرى ـ تاريخ الأمم ـ ١١ / ١٥ الى ١٧.
(٥) ابن قيم جودبة ـ المناقب ـ ٣٠٩.
(٦) نفس المصدر ـ ٣٢١.
(٧) ابن العماد الحنبلى ـ شذرات الذهب ـ ٢ / ٤٥.
(٨) البغدادى ـ الفرق بين الفرق ـ ١٥٩.
(٩) الخياط ـ الانتصار ـ ١٥٢.
(١٠) نفس المصدر ـ ١٠١.