وحينما أعلن المعتزلة أن الانسان حرّ فى إرادته ، حرّ فى مشيئته ، حرّ فى عقيدته ، وجدوا أنفسهم وقد قسمتهم هذه الحرية إلى شيع بلغت اثنتين وعشرين فرقة ، وكانوا من قبل منقسمين جغرافيا إلى معتزلة البصرة ومعتزلة بغداد ، فاشتد الجدل الداخلى فيما بينهم ، وتتابع الخصام ، ودار التكفير ، كل فرقة تكفّر الأخرى وكل رئيس جماعة يكفّر الآخر وهكذا (١).
وأعتقد أن هذه الأسباب بالإضافة إلى قضية خلق القرآن ، هى التى جعلت المعتزلة ينحدرون فى طريقهم إلى الهبوط ، أما الذى دفعهم دفعا ، آنذاك ، فهو خروج أبى الحسن الأشعرى من صفوفهم ، وكان أحد مفاخرهم فتوسّط بين الطرق (٢) فحاز رضى الفقهاء والمحدّثين ، إذ وجدوه يقدر السلف الصالح ولا يشتط فى احترام العقل ، ومن ثم ، تكونت مدرسة كلامية ، «لا ترى معارضة بين الشرع المنقول وبين الحق المعقول» (٣).
الأشاعرة : وهم أصحاب أبى الحسن الأشعرى ولد سنة ٣٦٠ ه (٤) ونشأ فى بيت زوج أمه أبى على الجبّائى المعتزلى الذى ربّاه وعلمه الكلام وكان من أئمة المعتزلة فى وقته (٥) ثم عرض له ما جعله يتنكر لهم ويخرج عليهم. ويعمل جهده على تنفيذ أقوالهم (٦) وهناك أقوال كثيرة عن سبب خروجه ، ذكرها المؤرخون القدامى والمحدثون (٧).
__________________
(١) الخياط ـ الانتصار ـ ٨٢.
(٢) ابن خلدون ـ المقدمة ـ ٣٢٦ ط عبد الرحمن محمد.
(٣) الغزالى ـ الاقتصاد فى الاعتقاد ـ ٢ ـ ط ٢ السعادة. القاهرة ١٣٢٧ ه.
(٤) السبكى ـ طبقات الشافعية ـ ٢ / ٢٤٦ الطبعة الأولى المطبعة الحسينية ـ ابن عساكر تبين كذب المفترى ٣٩.
(٥) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان ـ ١ / ٤٦٤.
(٦) ذهب الأستاذ زهدى جار الله فى كتابه (المعتزلة) إلى أن خروج الأشعرى على المعتزلة كان سطر ٣٠٠ ه انظر ص ٢٠٠ ط القاهرة ١٩٤٧ م.
(٧) ذكرت المصادر أسبابا لخروج الأشعرى ، وأشهرها رؤيا الأشعرى التى لقى فيها النبى صلىاللهعليهوسلم ثلاث مرا أمرا إياه بنصرة المذاهب المروية عنه ، فإنها الحق ، وواعدا فى الآخرة بتأييد الله سبحانه. كما ذكره تلك المناظرات التى دارت بينه وبين الجبائى عن الصلاح والأصلح ـ انظر ابن عساكر ـ تبين كذب المفترى ـ ٣٩. وطبقات الشافعية وابن خلكان ـ وفيات الأعيان ٢ / ٢١٧ الى ٢٧٨. والمحدثين من يرى الأمر غامضا ولم تكشف الأبحاث عن سره. انظر على مصطفى الغرابى ـ تار ـ