ويرجع انتصار الأشعرى على المعتزلة فى رأى أحمد أمين إلى :
١ ـ أن الناس كانوا قد ملّوا كثرة المناظرات والمحاكات والمحن التى شهدوها أو سمعوا بها فى محنة خلق القرآن ، فكرهوا هذه الطائفة التى سببت لهم كل هذه المشاكل وأخذ كثير منهم بأزر من يجابههم.
٢ ـ أن أبا الحسن على ما يظهر من ترجمته كان جدلا قوى الحجة ، فلفت الأنظار إليه ، وكان أيضا معروفا بالصلاح والتقوى وحسن المنظر ، مما جذب نفوس الناس إليه ووجدوا فيه الشخص الذى يلقون حملهم عليه إذا عدلوا عن الاعتزال.
٣ ـ أن السلطات الحكومية من عهد المتوكل قد تخلت عن نصرة المعتزلة وأغلب الناس يمالئون الحكومة أينما كانت ، ويخافون أن يعتنقوا مذهبا لا ترضاه ، فهربوا من الاعتزال إلى من يهاجم الاعتزال.
٤ ـ رزق أبو الحسن الأشعرى بأتباع أقوياء أخذوا مذهبه ودعوا إليه ودعموه بالأدلة والبراهين أمثال أمام الحرمين ، والأسفراييني ، والباقلانى ، فكان كلّ عالم من هؤلاء العلماء لمنزلته العظيمة يرغّب الناس فى الدخول فى مذهب الأشعرى ويبعدهم عن الاعتزال.
__________________
ـ الفرق الاسلامية ٢٢٣ ط صبيح ـ القاهرة ١٩٥٨. الطبعة الثانية ـ بينما يقول الدكتور حمودة غرابة «من المحتمل جدا أن تكون الرؤيا هى السبب المباشر لهذا التحول ، ولكنى أعتقد أنها كانت صدى لما أحسه أبو الحسن فى نفسه من مشاكل نفسية وروحية ، فإن مذهب المعتزلة وبالأخص على الصورة التى كان يحكيها أستاذه الجبائى كانت تحمل فى طياتها كثيرا من المشاكل التى لا توجد لها حلا مرضيا (الدكتور حمودة غرابة ـ الأشعرى ص ٦٥ ـ الطبعة الأولى ـ القاهرة) ويعطى عبده الشمالى أعماقا أخرى لهذه الفكرة قائلا : إن ارتداد الأشعرى نشأ عن عوامل كثيرة تراكمت فى ذهنه وسنحت لها فرصة الظهور أثر هذا الخلاف ، لأن الرجل كان يدافع عن المعتزلة ويفحم خصومها ، ويشعر أعماقه أن ردوده لا تفحم المدققين فيقنع سواه ولا يقتنع. ولما عجز الجبائى عن إقناعه ، شعر أن العقل أضعف من أن يوصل إلى الحقيقة. وأن الحقائق الإلهية تخضع للإيمان وتنفر من العقل الذى كان المعتزلة يعدّونه قادرا على حل كل مشاكل الدين ، وكان المتوكل قد أعلن الحرب على المعتزلة فتشجع الأشعرى وأعلن ما تكشف له من مذهب المعتزلة من نقض لروح الإسلام ومخالفة لتعاليمه فناهضه بكل ما أوتى من قوة وأصلى رجاله حربا شديدة ، فانتصر عليهم لأنه عرف ضعفهم. (عبده الشمالى ـ تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية ـ ١٣٨ الطبعة الرابعة ١٩٦٥ م دار صادر).