بأفهام كليلة ، وأبصار عليلة ، ونظر مدخول ، فحرّفوا الكلم عن مواضعه ، وعدّلوه عن سبيله ، ثم قضوا عليه بالتناقض ، والاستحالة ، واللّحن ، وفساد النظم والاختلاف ، وأوّلوا فى ذلك بعلل ربما أمالت الضعيف والغمر والحدث والغرّ واعترضت بالشّبه فى القلوب وقدحت بالشكوك فى الصدور (١).
وصار نظم القرآن ومعانيه أمام هجوم عنيف ، فقام علماء الإسلام من متكلمين ولغويين ومفسرين ينافحون عنه ، وعن حجّة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكان على المدافعين عن القرآن ونظمه أن يبيّنوا خصائص الأسلوب العربى الذى يجرى على نمطه البيان القرآنى (٢).
ومع تطور الثقافة وفتح النوافذ على الفكر الأجنبى تشعبت الدراسات البلاغية بين شعبة تحافظ على القوالب العربية الخالصة التى لا يشوبها أى مقياس أجنبى ، وشعبة اطلعت على الفكر اليونانى وأرادت أن تقيس البلاغة بمقياس اليونان.
ومضوا ينقلون بعض مختصرات لآراء أرسطو فى الخطابة والشعر ، على نحو ما فعل الكندى ومتّى بن يونس وإسحاق بن حنين.
وبدأت الخصومة بين هذين المنزعين فألّف ابن المعتز كتابه «البديع» مدافعا عن البلاغة العربية هجمات المتفلسفة ، مؤكدا أن كثيرا من فنون البديع موجود من قديم فى القرآن والحديث وكلام الجاهلين والاسلاميين (٣) ولم يسكت المتفلسفة
__________________
(١) ابن قتيبة ـ تأويل مشكل القرآن ـ ص ٢٢ تحقيق السيد أحمد صقر ط دار أحياء الكتب العربية ـ الأولى القاهرة ـ ١٩٥٤ م.
(٢) يدخل فى هذا النطاق كتاب الفراء (ت ٢٠٧) «معانى القرآن» عنى فيه بشرح آى القرآن الكريم شرحا بسط فيه الكلام فى التراكيب وتأويل العبارات وتحدث فيه عن التقديم والتأخير والإيجاز والأطناب والمعانى التى تخرج إليها بعض الأدوات كأداة الاستفهام وغيرها ، وأبو عبيدة معمر بن المثنى (ت ٢٠٨ ه) له كتاب (مجاز القرآن) وقد اختار الآيات التى تصور طرقا مختلفة فى الصياغة والدلالة متمثلا بما يشبهها من أشعار العرب وأساليبهم وشارحا لما تتضمنه من لفظ غريب ، وقد ذكر ابن المعتز للأصمعى (ت ٢١٣) كتابا فى التجنيس ص ٢٥ ط دمشق تحقيق كراتشقوفسكى وتأثّرهم إلى حدّ كبير ابن قتيبة (ت ٢٧٦) فى «تأويل مشكل القرآن» والمبرد (ت ٢٨٥) فى «الكامل».
(٣) ابن المعتز ـ البديع ـ ص ١.