فقلت ـ وأنا أحدثهم سنّاً ـ : أنا يا نبيّ الله ، فقام القوم يضحكون» (١).
هذا ، ولهم كلمات جامعة في الأمر بالكتمان والإخفاء في كتب العقائد والكلام وسير الخلفاء ، لا نطيل المقام بذكرها هنا ، ونكتفي بكلام للذهبي في سير أعلام النبلاء عند الدفاع عن الشافعي ، بمناسبة ما وقع بينه وبين المالكيّة ، وتكلّم بعضهم في بعض :
«قلتُ : كلامُ الأقرانِ إذا تبرهنَ لنا أنّه بهوىً وعَصَبِيّة ، لا يُلتَفتُ إليه ، بل يُطوى ولا يُروى.
كما تقرّر من الكفِّ عن كثيرٍ ممّا شَجَرَ بين الصحابةِ وقتالِهم رضي الله عنهم أجمعين ، وما زال يَمُرُّ بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ، ولكن أكثر ذلك منقطعٌ وضعيفٌ ، وبعضُه كَذِبٌ ، وهذا فيما بأيدينا وبينَ عُلمائِنا ، فينبغي طَيُّه وإخفاؤُه ، بل إعدامُهُ لتَصفُوَ القلوبُ ، وتتوفّرَ على حُبِّ الصحابة ، والترضّي عنهم ، وكِتمانُ ذلك مُتَعيِّنٌ عن العامّة وآحادِ العُلماء ..
وقد يرخّص في مطالعةِ ذلك خلوةً للعالم المُنصِفِ العَرِيِّ من الهوى ، بشرطِ أن يستغفِرَ لهم ، كما علّمنا اللهُ تعالى حيثُ يقول : (والّذينَ جاؤوا مِنْ بعْدِهِم يقولونَ ربّنا اغفِر لنا ولإخوانِنا الّذين سـبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبِنا غِلاًّ لِلّذينَ آمَنوا ...) (٢).
فالقوم لهم سوابق ، وأعمال مُكفِّرةٌ لِما وقع منهم ، وجهاد محاءٌ ، وعبادةٌ مُمَحِّصـةٌ ، ولسنا ممّن يغلو في أحدٍ منهم ، ولا ندّعي فيهم العصمة ، نقطع بأنّ بعضَهم أفضلُ من بعض ، ونقطعُ بأنّ أبا بكر وعُمر أفضلُ الأُمّة ، ثمّ تتمّة العشرة المشهود لهم بالجنّة ، وحمزة وجعفر ومعاذ وزيد ، وأُمّهات
____________
(١) الوفا بأحوال المصطفى ١ / ١٨٤.
(٢) سورة الحشر ٥٩ : ١٠.