فقال سليمان : قد طلب منّا أهل مصرنا ذلك فأبيْنا.
قال زفر : فاسـبقوهم إلى عَيْن الوَرْدَة (١) ـ وتسـمّى : «رأس عين» أيضاً ـ فاجعلوا المدينة في ظهوركم ، فيكون البلد والماء والمؤن في أيديكم ، وما بيننا وبينكم فأنتم آمنون منه ، فوالله ما رأيت جماعة قطّ أكرم منكم ، فاطووا المنازل فإنّي أرجو أن تسبقوهم ، ولا تقاتلوهم في فضاء فإنّهم أكثر منكم ، ولا آمن أن يحيطوا بكم فيصرعوكم ، ولا تصفّوا لهم فإنّي لا أرى معكم رجّالة ومعهم الرجّالة ، والفرسان يحمي بعضهم بعضاً ، ولكن القوهم في الكتائب ، ثمّ بثّوها في ما بين ميمنتهم وميسرتهم ، واجعلوا مع كلّ كتيبة كتيبة اُخرى إلى جانبها ، فإن حملوا على إحدى الكتيبتين تقدّمت الأُخرى وعاونتها وفرّجت عنها ، ومتى شاءت إحدى الكتائب ارتفعت ومتى شاءت انحطّت ، ولو كنتم صفّاً واحداً فزحفت إليكم الرجّالة فدفعتكم عن الصفّ انتقض فكانت الهزيمة. ثمّ ودّعهم ، ودعا لهم ، ودعوا له ، وأثنوا عليه.
ثمّ ساروا مجدّين ، فجعلوا يقطعون كلّ مرحلتين في مرحلة حتّى وردوا عين الوردة ، فنزلوا غربيّها ، واستراحوا خمسة أيّام ، وأراحوا دوابّهم ، وأقبل عبيد الله بن زياد في عساكر الشام حتّى كانوا من عين الوردة على مسيرة يوم وليلة.
فقام (٢) سليمان بن صرد خطيباً في أصحابه ، فوعظهم وذكّرهم الدار الآخرة ، ورغّبهم فيها ، ثمّ قال :
أمّا بعـد ..
____________
(١) عين الوردة : رأس عين المدينة المشهورة بالجزيرة. معجم البلدان ٤ / ١٨٠.
(٢) ذوب النضار : ٨٦.