فقد أتاكم عدوّكم الذي دأبتم إليه في السير آناء الليل والنهار ، فإذا لقيتـموهـم فاصـدقوهـم القـتال ، (واصْـبِرُوا إنَّ اللهَ مَـعَ الصَّابِرِيـنَ) (١) ، ولا يولّينّهم امرؤ دبره إلاّ متحرّفاً لقتال أو متحيّزاً إلى فئة (٢) ، ولا تقتلوا مدبراً ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تقتلوا أسيراً من أهل دعوتكم ـ أي من المسلمين ـ إلاّ أن يقاتلكم بعد أن تأسروه ، فإنّ هذه كانت سيرة عليّ عليه السلام في أهل هذه الدعوة ..
ثمّ قال : إن أنا قُتلت فأميركم المسيّب بن نجبة ، فإن قتل فالأمير عبـدالله بن سـعد بن نفيل ، فإن قتل فالأمير عبـدالله بن وأل ، فإن قُتل فالأمير رفاعة بن شـدّاد ، رحم الله امرءاً صدق ما عاهد الله عليه.
ثمّ بعث المسيّب في أربعمائة فارس ، وقال : سر حتّى تلقى أوّل عساكرهم فشنّ الغارة عليهم ، فإن رأيت ما تحبّه من النصر وإلاّ رجعت ، وإيّاك أن تنـزل أو تترك واحـداً مـن أصحابك أن ينـزل ، وأخّر ذلك حتّى لا تجد منه بُـدّاً.
قال (٣) حُمَيْد بن مُسلم : كنت معهم يومئذٍ فسرنا يومنا كلّه وليلتنا حتّى إذا كان وقت السحر نزلنا ونمنا قليلاً ، ثمّ صلّينا الصبح ، وركبنا ، ففرّق المسيّب العسكر وبقي معه مائة فارس ، وأرسل أصحابه في الجهات ليأتوه بمن يلقونه ، فرأوا أعرابياً يطرد حمراً ، وهو يقول :
يا مالِ لا تَعْجَـلْ إلى صَـحْبي |
|
واسْرَحْ فَإنَّكَ آمِنُ السِرْبِ |
[السريع]
____________
(١) سورة الأنفال ٨ : ٤٦.
(٢) اقتباس من الآية ١٦ من سـورة الأنفال.
(٣) ذوب النضار : ٨٦.