الأشراف فضمنوه ، فدعا به عبـد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمّـد بن طلحة وحلّفاه أن لا يخرج عليهما ، فإن خرج فعليه ألف بَدَنة (١) ينحرها لدى رِتاج (٢) الكعبة ، ومماليكه كلّهم أحرار ، فحلف لهما بذلك ، وخرج إلى داره ، وكان يقول بعد ذلك : قاتلهم الله ما أحمقهم حين يرون أنّي أفي لهم بأيمانهم هذه! أمّا حلفي بالله فإنّي إذا حلفت على يمين فرأيت خيراً منها أُكفّر عن يميني ، وخروجي عليهم خير من كفّي عنهم ، وأمّا هَدْي (٣) ألف بَدَنة فهو أهون عليّ من بصقة ، وأمّا عتق مماليكي فو الله لوددت أنّه تمّ لي أمري ثمّ لم أملك مملوكاً أبداً.
ولمّا استقرّ المختار في داره أخذت الشيعة تختلف إليه ، واتّفقوا على الرضا به ، وكان أكثر من استجاب له هَمْدان ، وقوم كثير من أبناء العجم الّذين كانوا بالكوفة ، وكانوا يسمّون «الحمراء» لحمرة وجوههم ، وكان منهم بالكوفة زهاء عشرين ألف رجل.
وكان قد بويع للمختار وهو في السجن ، ولم يزل أصحابه يكثرون ، وأمره يقوى حتّى عزل ابن الزبير عبـد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمّـد بن طلحة ، وبعث عبـد الله بن مطيع والياً على الكوفة ، فلمّا قدمها جاءه إياس ابن مضارب ، وقال له : لست آمن المختار أن يخرج عليك ، وقد بلغني أنّ أمره قد تمّ ، فابعث إليه فاحبسه.
____________
(١) البَدَنَة : من الإبل والبقر : كالأُضحِية من الغنم ، تُهدى إلى مكّة ، للذكر والأُنثى. القاموس المحيط ٤ / ٢٠٠ مادّة «بـدن».
(٢) الرِتاج : الباب العظيم ، وقيل : هو الباب المغلق. لسان العرب ٢ / ٢٧٩ مادّة «رتج».
(٣) الهَدْي : هو ما يُهدى إلى البيت الحرام من النعم لتُنحر ، فأُطلق على جميع الإبل وإن لم تكن هدياً. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ / ٢٥٤ مادّة «هـدي».