فبعث إليه ابن مطيع زائدة بن قدامة وحسين بن عبـد الله من همدان ، فقالا له : أجب الأمير. فدعا بثيابه ، وأمر بإسراج دابّته ، وهمّ بالذهاب معهما ، فلمّا رأى ذلك زائدة قرأ قوله تعالى : (وإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لِيُثْبِتوكَ أوْ يَقْتُلوكَ أوْ يُخْرِجوكَ ويَمْكُرونَ ويَمْكُرُ اللهُ واللهُ خَيْرُ الماكِرينَ) (١) ففهمها المختار ، فجلس ، ثمّ نزع ثيابه ، وقال : ألقوا علَيّ القطيفة ، ما أراني إلاّ قد وعكت ، إنّي لأجد قفقفة (٢) شديدة ، وتمثّل بقول الشاعر :
إذا ما مَعْشُرٌ تَرَكوا نِداهُمْ |
|
ولَمْ يَأتُوا الكَريهَةَ لَمْ يُهابوا |
[الوافـر]
وقال للرسولين : ارجعا إلى ابن مطيع فأخبراه بحالتي ، فرجعا فإذا أصحابه على بابه ، وفي داره منهم جماعة كثيرة.
وقال حسين لزائدة : إنّي قد فهمت قولك حين قرأت الآية ، فأنكر زائدة أن يكون أراد شيئاً.
فقال له حسين : لا تخف ، فما كنت لأُبلّغ عنك ولا عنه شيئاً تكرهانه ، فأقبلا إلى ابن مطيع فأخبراه بعلّته فصدّقهما وتركه.
وقيل : إنّ ابن مطيع بعث إلى المختار : ما هذه الجماعات التي تغدو وتروح إليك؟
فقال المختار : مريض يعاد.
وبعث المختار إلى أصحابه فأخذ يجمعهم في الدور حوله ، وأراد أن
____________
(١) سورة الأنفال ٨ : ٣٠.
(٢) قَفْقَفَ : ارتعد من البرد وغيره ، أو اضطرب حنكاه واصطكّت أسنانه. القاموس المحيط ٣ / ١٨٧ مادّة «قفف».