المقام الأول
المعيار القرآني النبوي لفريضة المودة
فأما الآية الشريفة فقبل التعرض إلى إطار مفادها نذكر :
أوّلاً : مورد نزولها هـو أنّ الأنصـار والمهاجرين اجتمعـوا إلـى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالوا : يا رسول الله أنّ لك مؤونة في نفقتك ومن يأتيك من الوفود وهذه أموالنا مع دمائنا فاحكم فيها مأجوراً ، اعطِ منها ما شئت وأمسك ما شئت من غير حرج فأنزل الله عزّ وجلّ عليه الروح الأمين ، فقال : يا محمّـد قل : (لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القُربى) (١) يعني : أن تودّوا قرابتي من بعدي فخرجوا ، فقال المنافقون : ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلاّ ليحثّنا على قرابته من بعده ، إن هو إلاّ شيء افتراه في مجلسه ، فكان ذلك من قولهم عظيماً ، فأنزل الله عزّ وجلّ : (أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئاً هو أعلم بما تُفيضون فيه كفى به شهيداً بيني وبينكم وهو الغفورُ الرحيم) (٢) فبعث إليهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : هل من حدث؟ فقالوا : أي والله قال بعضنا كلاماً غليظاً كرهناه ، فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الآية فبكوا واشتدّ بكاؤهم فأنزل الله عزّ وجلّ (وهو الذي يقبل التّوبة عن عباده ويعفوا عن
____________
(١) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.
(٢) سورة الأحقاف ٤٦ : ٨.