وكان الحسين قال للعبّاس : ارجع إليهم فإن استطعْتَ أن تؤخّرهم إلىٰ غدوة وتدفعهم عنّا هذه العشيّة ؛ لعلّنا نصلّي لربّنا ونستغفر ونوصي إلىٰ أهلنا .
ثمّ جاءهم رسول عمر ، فقام بحيث يسمعون الصوت وقال : قد أجّلناكم إلىٰ غدٍ ؛ فإن استسلمتم سرّحناكم إلىٰ أميرنا ، وإن أبيْتم فلسنا تاركيكم .
فجمع الحسين أصحابه ، فحمد الله وأثنىٰ عليه وصلّىٰ علىٰ النبيّ صلّىٰ الله عليه ؛ ودعا دعاءً كثيراً ، ثمّ قال :
أمّا بعد . . فإنّي لا أعرف أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصلَ من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي خير جزاء ، وإنّي لا أظنّ يومنا من هؤلاء إلّا غَبْرا (١) ، وإنّي قد أذنْتُ لكم ، فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام ، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ، ليأخذ كلّ امرئ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم ؛ فإنّ القوم إنّما يطلبوني ولو قد أصابوني للَهَوْا عن غيري .
فقال له إخوته : لمَ نفعل ذلك ؟! لنبقىٰ بعدك ؟! لا أرانا الله ذلك أبداً ، قبّح الله العيش بعدك . وتكلّم أهله بذلك كلّهم .
ثمّ قام مُسْلم بن عوسجة الأسديّ : فقال : أنحن نخلّي عنك ولم نعذر فيك ؟! والله لو لم يكن معي سلاحي لقذفتهم بالحجارة دونَك حتّىٰ أموت .
[ وقال سعيد بن عبد الله الحنفي : والله لا نخلّيك حتّىٰ ] (٣) ( و ) يعلم
__________________
(١) في تاريخ الطبري ٥ / ٤١٨ : وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً .
(٢) ما بين المعقوفين من تاريخ الطبري .