الله إنّا حفظنا عيبة رسول الله ، والله لو علمتُ أنّي أُقتَل ثمّ أُحْيا ، ثمّ أُقتل ثمّ أُحْرَق ثمّ يُذرّىٰ بي ، يُفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتُك ، فكيف وهي قتلة واحدة ، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً .
ثمّ قام زُهَير بن القين ، فقال مثل ذلك ، وكلّهم يتكلّم بما يقرب من ذلك ، وكانوا اثنين وثلاثين رجلاً من الفرسان وأربعين رجّالة .
ثمّ أوصىٰ لأُخته علیه السلام ، فقال : يا أُخته ! إنّي أُقسم عليكِ فبرّي (١) قسمي : لا تشقّي علَيّ جيباً ، ولا تخمشي وجهاً ، ولا تَدْعي علَيّ بالويل والثَبور ؛ إن أنا أهلكْتُ .
فبكَتْ وٱرتفعَت الأصوات من جهة النساء ، وقالت أُخته : بأبي أنت وأُمّي أبا عبد الله ! استقتلْتَ [ نفسي فداك ] (٢) ؟!
فردّد غصّته ، ثمّ قال : لو ترِك القَطا [ ليلاً ] لنام .
فلطمت وجهها وخّرت مغشيّاً عليها ، فصبّ الحسين علىٰ وجهها الماء ، وعزّاها بكلامٍ طويل .
فلمّا أصبحوا ـ وذلك يوم الجمعة ، وقيل : يوم السبت ـ وكان يوم عاشوراء ، فخرج الحسين وعبّأ أصحابه ، وأمر بأطناب البيوت ، فقرّبت حتّىٰ دخل بعضها من بعض ، وجعلوا وراء ظهورهم ليكون الحرب من وجهٍ واحد ، وأمر الحسين بمسك فميث في جَفْنة عظيمة ، وأطّلىٰ ، وركب دابّته ، ودعا بمُصْحف فوضعه أمامَه ، وٱقتتل أصحابه بين يديه قتالاً شديداً .
فحرّك الحرّ بن يزيد دابّته حتّىٰ استأمن إلىٰ الحسين ، فقال له :
__________________
(١) في تاريخ الطبري : فأبرّي قسمي .
(٢) ما بين المعقوفين من تاريخ الطبري .