فأخذ أبو بكر راية رسول الله صلى الله عليه وآله ثمّ نهض فقاتل ثمّ رجع ، فأخذها عمر فقاتل ثمّ رجع ، فأُخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : «أما والله لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، يأخذه عنوة» ، وليس ثمة عليّ عليه السلام.
فلمّا كان الغد تطاول رجال من قريش ، ورجا كلّ واحد منهم أن يكون صاحب ذلك ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله ابن الأكوع إلى عليّ فدعاه ، فجاء على بعير له حتّى أناخ قريباً من رسول الله ، وهو أرمد قد عصب عينيه بشـقّة بردٍ قطريٍ.
قال سلمة : فجئتُ به أقوده إلى رسول الله ، فقال صلى الله عليه وآله : «ما لك»؟
قال عليّ عليه السلام : «رمدت».
فقال صلى الله عليه وآله : «ادن منّي» ، فدنا منه ، فتفل في عينيه ، فما شكا وجعهما بعد حتّى مضى لسبيله.
ثمّ أعطاه الراية فنهض بالراية وعليه حلّة أرجوان حمراء قد أخرج كمّيها ، فأتى مدينة خيبر ، فخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مِغْفَر (١) مصفّر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يرتجز ويقول : ... ـ وذكر البيتين ـ.
فبرز إليه عليّ عليه السلام فقال :
أنَا الّذِي سَمَّتْني أُمّي حَيْدَرَهْ |
|
كَلَيْثِ غَاباتٍ شَديدِ القَسْوَرَهْ (٢) |
أكِيلُكُمْ بِالسَّيْفِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ (٣)
____________
(١) المِغْفَرُ : زَرَدٌ يُنسج من الدروع على قدر الرأس ، يُلبس تحت القلنسوة. الصحاح ٢ / ٧٧١ مادّة «غفر».
(٢) القسـورة : الأسـد. الصحاح ٢ / ٧٩١ مادّة «قسـر».
(٣) السَنْدَرَةُ : مكيال ضخم كالقَنْقَل والجُرافِ. الصحاح ٢ / ٦٨٠ مادّة «سدر».