النجاة من العقوبة ـ إذا كانت مقيّدة فكيف بالمثوبة؟!
وقوله تعالى : (إنّما يتقبّلُ اللهُ من المتّقين) (١) ، والغاية في تعبير الآية : أنّه قد قيّد القبول ليس بوصف العمل بالتقوى بل بوصف العامل بذلك ، والصفة لا تصدق إلاّ مع تحقّقها في مجمل الأعمال وأركانها ، وهي العقائد الحقّة.
وكذا قوله تعالى : (أبى واستكبر وكان من الكافرين) (٢) ، فجعل تعالى أعمال إبليس كلّها هباءً منثوراً باستكباره على وليّ الله وعدم إطاعته لخليفة الله بتولّيه ، بل الملاحظ في واقعة إبليس ـ التي يستعرضها القرآن الكريم في سبع سور ـ أنّ كفره لم يكن شركاً بالذات الإلهية ولا بالصفات ولا بالمعاد ولا بالنـبوّة ، بل هو جحود لإمامة وخلافة آدم عليه السلام ، فلم يقبل الله تعالى اعتقاد إبليس ، كما لم يقبل أعماله ، وأطلق عليه الكفر بدل التوحيد ..
والسرّ في ذلك أنّ ذروة التوحيد وسنامه ومفتاحه وبابه هو التوحيد في الولاية ؛ فإنّ اليهود قائلون بالتوحيد في الذات والمعاد وهو توحيد الغاية ، وبالتوحيد في التشريع وهو النبوّة ، إلاّ أنّهم كافرون بالتوحيد في الولاية ؛ إذ قالوا : (يد الله مغلولةٌ غُلّت أيديهم ولُعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان) (٣) ، فإنّهم حجبوا الذات الإلهية عن التصرّف في النظام البشري ، وقالوا بأنّ البشر مختارين في نظامهم الاجتماعي السياسي ، وأنّ الحاكمية السياسية ليست لله تعالى ..
____________
(١) سورة المائدة ٥ : ٢٧.
(٢) سورة البقرة ٢ : ٣٤.
(٣) سورة المائدة ٥ : ٦٤.