رأي العين شيء واحد ، وعنصر فرد ، كم يحتوي على عناصر لا تُحصى ، وخواص لا تتناهى ، تنثر فيه حَبّ القمح مثلاً ، فيعطيك أضعافاً من نوعه ، وتنثر فيه الفول والعدس وأمثالهما من القطانيات (١) المختلفة في الطعوم والخواص ، فتعيدها إليك مضاعفة مترادفة.
وتغرس في نفس ذلك التراب نواة النخل ، وبذرة الكَرْم ، وأقلام التين والتفاح ، وأمثالها من الفواكه ، فتثمر تلك الثمار الشهية المختلفة الأذواق ، المتغايرة الخواص.
التراب يخرج لك البطيخ بأنواعه : أصفره وأحمره وأبيضه بتلك الروائح الطبيعية العطرة ، وكلّهُ حلو منعش ، ويخرج لك الحنظل ، وكلّه مُرّ مهلك.
كلُّ هذا والشكل متشابه ، والخضرةُ متماثلة ، والماء واحد والتربةُ واحدة ، كما في القرآن : (يُسقى بماءٍ واحد) (٢) والماء ماء ، ولمّا يستوي الشجر التراب واحد والمستقى واحد والثمرات والنتائج مختلفة ؛ فمن أين جاء هذا الاختلاف العظيم؟!
أليسـت كلّها عناصـر في الأرض يأخـذ كلّ واحـد من تلك البذور مايلائمه من تلك العناصر الكامنة في التراب المكوّنة لتلك الثمرة؟!
والأنواع المختلفة لا يختلط واحد بالآخر ، ولا يشتبه نوع بنوع.
كلّ ذلك على نظام متّسق ، ووزن متّفق ، وعيار معيّن ، كلّ فاكهة في
____________
(١) القطانيات : سمّيت بالقطنية ؛ لأنّ مخارجها من الأرض ، مثل مخارج الثياب القطنية ، وهي الحبوب التي تدّخر ، كالحمّص والعدس والباقلاء والترمس والدُخن والأرز ، وقيل : ما كان سوى الحنطة والشعير والزبيب والتمر ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ٢٣٢ مادة «قطن».
(٢) سورة الرعد ١٣ : ٤.