بقاعها وأجزائها ظاهراً ، ولكنّها في الامتحان ، وفي ظاهر العيان أيضاً مختلفة أشدّ الاختلاف في البقاع والطباع والأوضاع ؛ ففيها : الطيّبة والخبيثة ، والحلوة والمالحة ، والسبخة والمرّة ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وفي الأرض قِطَعٌ متجاورات) (١).
وهذا الاختلاف شيء محسوس ؛ فقد يلقي الحارث في أرض قبضة قمح فيعود عليه ريعها بأضعاف البذر سبعين مرّة ، وقد يلقيه في أُخرى فيخيس ويحترق ، ولا يحصل حتّى على البذر.
ولا شكّ أنّ الطيّب النافع هو الحري بالكرامة والتقديس ، ولا يبعد أن تكون تربة العراق على الإجمال من أطيب بقاع الأرض في دماثة طينتها ، وسعة سهولها ، وكثرة أشجارها ونخيلها ، وجريان الرافدين عليها ، ومايجلبان من الإبليز (٢) ، وهو الذهب الإبريز (٣) ، واللجين الجاري ، والياقوت ، والذهب الأسود.
ثمّ لو تحرّينا هذه السهول العراقية ، وجدنا من القريب إلى السداد القول : إنّ أسمى تلك البقاع أنقاها تربة ، وأطيبها طينة ، وأذكاها نفحة هي تربة كربلاء ، تلك التربة الحمراء الزكية.
وكانت قبل الإسلام قد اتّخذت نواويس (٤) ، ومعابد ، ومدافن للأُمم الغـابرة ، كما يشعر به كلام الحسين سلام الله عليه في إحدى خطبه
____________
(١) سورة الرعد ١٣ : ٤.
(٢) الإبليزِ ـ بالكسر ـ : وهو ما يُعقبه النهر بعد ذهابه عن وجه الأرض ، أعجمية ، والعامّة تقول بالسين ؛ انظر : تاج العروس ٨ / ١٧ مادّة «بلز».
(٣) ذهب الإبريز : أي الخالص ؛ انظر : لسان العرب ١ / ٣٧٤ مادّة «برز».
(٤) الناووس : مقابر النصارى ، جمعها نواويس ؛ انظر : لسان العرب ١٤ / ٣٢٦ مادّة «نوس».