ومع ذلك لا يصحّ الاعتماد على ما روي فيها ؛ فإنّ فيها الصحيح والسقيم ، والمعوج والمستقيم ، والغثّ والسمين ، من حيث السند تارةً ، ومن حيث المتن أُخرى ، ومن كلتا الجهتين ثالثة ..
ولذا قسّم أساطين الإمامية في القرون الوسطى الأحاديث ـ بما فيها الكتب الأربعة المشهورة ـ إلى أربعة أقسام : الصحيح ، والحسن ، والموثوق ، والضعيف (١) ، ولا يتميّز بعضها عن بعض إلاّ بعد الجهود واستفراغ الوسع ، وللأوحدي من أعلام المجتهدين.
على أنّنا ذكرنا في جملة من مؤلّفاتنا : أنّ مَلَكة الاجتهاد وقوّة الاستنباط لا يكفي فيها مجرّد استفراغ الوسع ، وبذل الجهد ، بل تحتاج إلى استعداد خاصّ يستأهل به منحة إلهية ولطفاً ربّانياً ، يمنحها الحقّ جلّ شأنه للأوحدي فالأوحدي من صفوة عباده.
ومن مجموع ما ذكرنا في هذا المقام يتّضح : إنّ نسبة بعض كَتَبة العصر [ما] ذكروا [من] جملة من الأُمور الغريبة إلى مذهب الإمامية ؛ لخبر أو رواية وجدوها في كتبهم ، أو اعتمد عليها بعض مؤلّفيهم ، لا يصحّ جعله مذهباً للشيعة بقول مطلق ، بل لعلّه رأي خاصّ لذلك المؤلّف لا يوافقه جمهورهم وأساطين علمائهم.
كما أنّه لا يجوز لعوام الإمامية ـ فضلاً عن غيرهم ـ النظر في الأخبار التي هي من النوعين الآخرين ؛ فإنّها مضلّلة لهم ، ومظنّة خطر عليهم ، وليس هو من وظيفتهم وعملهم ؛ بل لا بُدّ من إعطاء كلّ فنٍّ لأهله ، وأخذه من أربابه وأساتيذه.
____________
(١) شرح البداية في علم الدراية ـ للشهيد الثاني ـ ١ / ٧٩ ـ ٨٩.