حصلت وحدة على المنكر واجتناب المعروف ، لكانت هذه فُرقة في منطق القرآن الكريم ؛ لأنّ الناس افترقوا وابتعدوا عن الحقّ ..
وهذا يدلّ على أنّ الحقّ والمعروف له وجود وحقيقة في نفس الأمر ، اتّفقت كلمة الأُمّة عليه أم لم تتّفق ، وليس الحقّ ناتجاً ومتولّداً من اتّفاق الأُمّة كي يقال : «كلّ ما اتّفقت الأُمّة عليه فهو حقّ ، وكلّ ما لم تتّفق عليه فهو باطل» ..
ومن ثمّ كان الحسن والقبح في الأفعال ، والصفات ، والاعتقادات ذاتي ، تكويني ، عقلي ، حقيقي ؛ إذ ليس حسن الشيء بسبب رأي الأكثرية أو توافق الكلّ على مدحه ، ولا قبح الشيء بسبب رأي الأكثرية أو توافق الكلّ على ذمّه ، بل الحسن والمدح والثناء ذاتي ؛ للكمال ، والقبح والذمّ والهجاء ذاتي ؛ للنقص ، ومن ذلك يعلم أنّ الثابت الديني ليس وليد الوفاق بل هو مرهون بالأدلّة والبراهين.
فإذا كان الحقّ ثابت في نفسه فيجب إقامة الوحدة على أساسه ، لا أن تقام الوحدة على أساس الباطل أو الحقّ الممزوج بالباطل ، فنقيم الاتّحاد ولو على النهج السقيفي أو الأُموي أو العبّاسي ، بل هذا اتّحاد على الغواية وتعاون على الإثم والعدوان ، ومن ثمّ لم يبال سيّد الشهداء عليه السلام أن يشقّ عصا المسلمين المتآلفين على النهج اليزيدي ، وقال : «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي ، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
فالاصلاح والنصيحة للمسلمين ليس بإقرارهم على ما هم عليه مـن الفساد والغواية ، بل هو بأمرهم بالمعروف والحقيقة ونهيهم عن المنكر والباطل ، ودعوتهم للتعاون على السير على نهج الحقّ والصراط المستقيم.