عدم مفارقة هارون لبني إسرائيل ولحوقه بموسى كي يحلّ عليهم العذاب ، أو عن عدم مقاتلته لتيّار الانحراف والضلال في بني إسرائيل ، فأجابه بتحرّيه طريق الإصلاح من الاهتمام بمصير بني إسرائيل ، وإرشادهم إلى الصواب ، ونهيهم عن الضلال ، ومقاطعته وتبرّيه عن سبيل المفسدين ، ورضى موسى عليه السلام بفعله.
وفي الحقيقة إنّ مساءلة النبيّ موسى عليه السلام لوصيّه النبيّ هارون عليه السلام عن دوره في هذا الحدث الداهية الفظيع ، وكذلك أخذه برأسه ولحيته ، ليس لإدانة أخيه ووصيّه ، أو شكّه في استقامته ، بل هي لإجل بيان مدى فظاعة الانحراف والضلال الذي ارتكب ، كما قال موسى : (بئسما خَلَفْتُموني من بعدي) (١) ، (قال فإنّا قد فتَنّا قوْمكَ من بعدِكَ وأضَلّهُمُ السامِريُّ) (٢) ، وكذلك لدفع تهمة تخاذل هارون عن الحقّ ..
وهي أيضاً نظير مساءلة الله تعالى للنبيّ عيسى يوم المعاد : (وإذ قال الله يا عيسى ابنَ مريمَ أأنت قلت للناس اتّخذوني وأُمّيَ إلهينِ من دون الله قال سبحانك ما يكونُ لي أنْ أقولَ ما ليس لي بحقٍّ إن كنتُ قلْتُهُ فقد علِمْتَهُ تعلمُ ما في نفسي ولا أعلمُ ما في نفسك إنّك أنت علاّمُ الغُيوب* ما قلتُ لهم إلاّ ما أمَرْتَني به أن اعْبُدوا اللهَ ربّي وربَّكم) (٣) ؛ إذ هي لبيان العظيمة التي ارتكبها النصـارى من الشـرك ، لا لاِجل عتاب النبيّ عيسى عليه السلام ؛ كيف وهو تعالى عالم ببراءة ساحته عن انحراف النصارى؟!
____________
(١) سورة الأعراف ٧ : ١٥٠.
(٢) سورة طه ٢٠ : ٨٥.
(٣) سورة المائدة ٥ : ١١٦ ـ ١١٧.