وكذلك لكون مساءلة ومحاسبة النبيّ عيسى عليه السلام تدلّ على عظم الخـطب في الحـدث ، الذي يستدعي مساءلة كلّ أطراف الحدث عنه ، حتّى مثل النبيّ ؛ ولتبرئة عيسى عليه السلام عن ضلال النصارى ، وهذا الأُسلوب من فنون الكلام والبيان ، فكذلك الحال في مساءلة النبيّ موسى عليه السلام لوصيّه هارون عليه السلام ..
وكذلك في مساءلة الصدّيقة الزهراء لوصيّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : «اشتملت مشيمة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل؟!» (١) ؛ فهي لم تكن ـ كما يوهمه عمى البصيرة ـ جزعاً منها عليها السلام أو عتاباً لأمير المؤمنين ، وإنّما هي عليها السلام في صدد بيان انحراف القوم وشدّة ضلال ما ارتكبوه ، ولكي يتبيّن أنّ عليّاً عليه السلام لم يكن سكوته عن مقاتلتهم تخاذلاً منه أو جبناً أو نكصاً عن الحقّ ، بل لأنّ صدامه المسلّح معهم يوجب تزلزل عقيدة الناس بالدين ، والنزاع على السلطة في نظر وذهنية عامّة الناس من أكبر أمثلة التنازع على الدنيا وأعظمها ، وبالتالي سيسري شكّهم في دواعي الوصيّ عليه السلام إلى دواعي ابن عمّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ كلّ ما جرى هو تغالب على الملك ، كما قال ذلك يزيد بن معاوية :
لعبت هاشم بالملك فلا |
|
خبر جاء ولا وحي نزل (٢) |
وقول أبي سفيان عند فتح مكّة للعبّـاس : «إنّ مُلْك ابن اخيك لعظيم» فأجابه العبّاس : «إنّها النبوّة» (٣).
فالناس ليس لديهم الوعي والبصيرة الكافية في كون خطورة هذا
____________
(١) الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : ٦٨٣ ح ١٤٥٥ ، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ ٢ / ٥٠.
(٢) تذكرة الخواصّ : ٢٣٥ ، البداية والنهاية ٨ / ١٥٤ ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ٥٧.
(٣) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٢ / ١٣٥ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٧ / ٧٦.