وقال عليه السلام في خطبة له : «وإنّي لعالِم بما يُصلحكم ويُقيم أودكم ولكنّي لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي» (١) ..
وهذا أصل بالغ الأهمّية لطريقة إصلاح الآخرين : أن لا تكون على حساب فساد المصلح نفسه ؛ فقد يداري المصلح الطرف الآخر لدرجة يضيّع فيها على نفسه وطائفته موقف الثبات على الحقّ ، ويؤدّي إلى ذوبانه في الباطل والانحراف باسم المداراة للإصلاح ، وبادّعاء أنّ الإصلاح قد يستلزم تخلّي الطائفة المحقّة عن بعض مبادئها وضرورياتها لتربية الطائفة نفسها.
إنّ لمعرفة الأهمّية البالغة للأمر بالمعروف والحقّ والنهي عن المنكر والباطل دور كبير في ثبات هوية المجتمع الديني ، ونظامه الاجتماعي ، وحصانته أمام الغزو الثقافي والعقائدي الأجنبي الدخيل ، الموجب للتحلّل الخلقي ولعدم التزام أفراد المجتمع تجاه مقدّسات الملّة والأُمّة والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم ..
الوحدة وشعائر المذهب :
وهذه الوظيفة التي تؤدّيها فريضة التولّي والتبرّي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ من إيجاد الغيرة الدينية وحسّ المسؤولية الاجتماعية الدينية ـ تتأدّى بآليات عديدة ، عمدتها الشعائر الدينية ، ومن هنا يُتفطّن لأهمّية الشعائر وعدم التفريط بها ، ولا سيّما الشعائر الإيمانية المذهبية ؛ فإنّ التفريط بها يوجب التفريط بكيان المذهب وذوبانه أمام هوية المذاهب الإسلامية الأُخرى ، القائمة على فـقه واعتقادات السلاطين ، المصنوعة من
____________
(١) نهج البلاغة : خطبة ٦٩.