وثالثاً : إنّه قد استبعد بعض أكابر القوم هذا الحمل ، كالحافظ محبّ الدين الطبري الشافعي ؛ إذ قال : «قد حكى الهروي عن أبي العبّـاس : إنّ معنى الحديث : من أحبّني ويتولاّني فليحبَّ عليّاً وليتولّه.
وفيه عندي بُعد ؛ إذ كان قياسه على هذا التقدير أن يقول : من كان مولاي فهو مولى عليّ ، ويكون المولى ضـدّ العدو ، فلمّا كان الاِسناد في اللفظ على العكس بعُد هذا المعنى ...» (١).
ورابعاً : إنّ قول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : «اللّهمّ والِ من والاه ...» دعاء دعا به بعد الفراغ من الخطبة ، ولو كانت لفظة «المولى» بحاجةٍ إلى تبيين ، فإنّ الجملة السابقة على «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ، وهي : «ألست أوْلى بكم من أنفسكم؟!» أو : «ألست أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم؟!» وخاصّةً ما اشتمل من ألفاظ الحديث على «فاء» التفريع ؛ إذ قال : «فمن كنت مولاه ...» ، هي القرينة المعيّنة للمعنى والرافعة للاِبهام المزعوم في الكلام.
ومـن رواة تلك المقدّمة في حديث الغدير :
أحمد بن حنبل ، وأبو عبـد الرحمن النسائي ، وأبو عبـد الله ابن ماجة ، وأبو بكر البزّار ، وأبو يعلى الموصـلي ، وأبو جعفر الطبري ، وأبو القاسـم الطبراني ، وأبو الحسـن الدارقطني ، وأبو موسـى المديني ، وأبو العبّـاس الطبري ، وابن كثير الدمشـقي ..
وقد أشار النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيها إلى قوله تعالى : (النبيّ أوْلى بالمؤمنين من أنفسهم ...) (٢) ، الذي نصّ المفسّرون على
____________
(١) الرياض النضـرة في مناقب العشـرة ١ / ٢٠٥.
(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٦.