بعد أن اتّضح جواب السؤالين السابقين ، وعُرف أنّ الخليفة ليس بمعصوم ، وأنّ الله لم ينصبه ، وقد أخطأ بالفعل في كثير من الأُمور ، وأنّ المصالح التي تصوّرها لم تكن حقيقية ، عامّة للجميع ، بل كثير منها وهمية ، وهي مصالح خاصّة ; فلا بُدّ إذاً من دراسة مدّعى عمر في هذا الأمر ..
هل كان حقّاً يريد التقرّب إلى رسول الله إذ سمع منه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «كلّ سبب أو نسب منقطع إلاّ سببي ونسبي» (١) ، أم أنّه جعلها وسيلة لأمر آخر؟!
وهل أنّ اقتراح الزواج يرتبط بأمر سياسي ، أم اجتماعي ، أم عاطفي ، أم غير ذلك؟!
عمر ودعوى القرابة :
لو درسنا سيرة عمر قبل وبعد الإسلام لوقفنا على حقيقة أُخرى غير ما يصوّره أصحاب السير والتراجم ، ولرأيناها تتنافى مع المدّعى كمال المنافاة ; لأنّه كان يصرّ في معركة بدر على لزوم قتل كلّ قريب قريبَهُ ، وقد طلب بالفعل من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقتل عمّه العبّاس ، ومن عليّ (عليه السلام) أن يقتل أخاه عقيل ، و ... مع أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يؤكّد له بأنّهما جاءا مكرَهيْن للمعركة (٢).
وهذه صورة واحدة عن موقفه مع قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومفهوم
____________
(١) السنن الكبرى ٧ / ٦٤ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٣ / ٤٥ ، ١١ / ١٩٤ ، المعجم الأوسط ـ للطبراني ـ ٦ / ٣٥٧ ، ورواه أيضاً الهيثمي في مجمع الزوائد ٤ / ٢٧١.
(٢) صحيح مسلم ٥ / ١٥٧ ، مسند أحمد ١ / ٣١ ، البداية والنهاية ٣ / ٣٦٢ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٣٥٢ ، الدرّ المنثور ٣ / ١٧٥.