الّذين طَغَوا ، والأُمم التي عتت ..
«إنّ الله لم يقصِم جبّاري دهر قطُّ إلاّ بعد تمهيل ورخاء ، ولم يجبرْ عَظْمَ أحد من الأُمم إلاّ بعد أزل وبلاء ...» (١) ..
وما آلَ إليه مصيرُها ..
«عبادَ الله! أين الّذين عُمِّروا فَنعِموا ، وعُلّموا ففهموا ، وأُنظِروا فلَهوا ، وسُلّموا فَنسوا؟! أُمهلوا طويلاً ، ومُنِحوا جميلا ، وحُذّروا أليماً ، ووعِدوا جسيماً» (٢).
وكيف تحوّل نِصابُ أمورهم إلى أُمم وأقوام وأفراد آخرين!!
ثمّ عطاؤه جلّ وعلا في تفضيل أنبيائه ، وفي اختيار رسله ، والتركيز على حالة التقشّف والزهد والفقر التي كان يحياها الرسل ، ثمّ المكانة العليّة التي تبوّؤوها ..
«لقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كاف لك في الأُسْوة ، ودليل لكَ على ذمِّ الدنيا وعيبها ، وكثرة مخازيها ومساويها ; إذ جاع فيها مع خاصتّه ، وزُوِيَتْ عنه زخارفُها مع عظيم زُلْفَتِهِ ..
فلينظر ناظر بعقله : أكرمَ اللهُ محمّداً بذلك أم أهانَه؟ فإن قال : أهانه ، فقد كذِب ـ والله العظيم ـ بالإفك العظيم ، وإن قال : أكرمه فليعلم أنّ الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له ، وزواها عن أقرب الناس منه ...
____________
(١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٣٨٤ .. (١) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٣٨٤ ..
يقصم : يهلك.
يجبر : من : جبر العظم ، إذا طيّبه بعد الكسر حتّى يعود صحيحاً.
الأزل : الشـدّة.
(٢) شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٦ / ٢٧٥ ..
عُمِّروا فنعموا : عاشوا فتنعّموا.