يا جابر! ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا؟ هل هي إلاّ طعام أكلته ، أو ثوب لبسته ، أو امرأة أصبتها؟!
يا جابر! إنّ المؤمنين لم يطمئنّوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ، ولم يأمنوا قدومهم الآخرة ..
يا جابر! إنّ الآخرة دار القرار ، والدنيا دار فناء وزوال ، ولكن أهل الدنيا أهل غفلة ، وكان المؤمنون هم الفقهاء ، أهل فكرة وعبرة ، لم يصمّهم ذكر الله جلّ اسمه ما سمعوا بآذانهم ، ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة بأعينهم ; ففازوا بثواب الآخرة ، كما فازوا بذلك العلم» (١).
ويدلّ عليه ما رواه محمّد بن يحيى ، عن علي بن الحكم ، عن المثنّى ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : «كان أبو ذرّ (رضي الله عنه) يقول في خطبته : يا مبتغي العلم! كأنّ شيئاً من الدنيا لم يكن شيئاً إلاّ ما ينفع خيره ، ويضرّ شرّه ، إلاّ من رحم الله.
يا مبتغي العلم! لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك ، أنت يوم تفارقهم كضيف بتّ فيهم ثمّ غدوت عنهم إلى غيرهم ، والدنيا والآخرة كمنزل تحوّلت منه إلى غيره ، وما بين الموت والبعث إلاّ كنومة نمتها ثمّ استيقظت منها.
يا مبتغي العلم! قدّم لمقامك بين يدي الله عزّ وجلّ ; فإنّك مثاب لعملك ، كما تدين تدان.
يا مبتغي العلم ...» (٢).
وعنه ، عن علي بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال
____________
(١) الكافي ٢ / ١٠٧ ح ١٦ ، بحار الأنوار ٧٣ / ٣٦ ح ١٧.
(٢) الكافي ٢ / ١٠٨ ح ١٨ ، بحار الأنوار ٧٣ / ٦٥ ح ٣٤.