الدنيا ، فبدنه مع أهل الدنيا ، وقلبه وعقله معاين الآخرة. فأطفأ بنور قلبه ما أبصرت عيناه من حبّ الدنيا ، فقذر حرامها ، وجانب شبهاتها ، وأضرّ والله بالحلال الصافي ، إلاّ ما لا بُدّ له من كسرة يشدّ بها صلبه ، وثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه ..
ولم يكن له في ما لا بُدّ له منه ثقة ولا رجاء ، فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الأشياء ، فجدّ وتعب ، وأتعب فعله بدنه ، حتّى بدت الأضلاع وغارت العينان ، فأبدل الله عزّ وجلّ من ذلك قوّة في بدنه ، وشدّة في عقله ، وما ادّخر له في الآخرة أكثر.
فارفض الدنيا ; فإنّ حبّ الدنيا يعمي ويصمّ ويبكم ، ويذلّ الرقاب ، فتدارك ما بقي من عمرك ، ولا تقل : غداً أو بعد غد ; فإنّما هلك مَن كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف ، حتّى أتاهم أمر الله بغتة وهم غافلون ، فنُقلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيّقة ، وقد أسلمهم الأولاد والأهلون.
فانقطع إلى الله بقلب منيب من رفض الدنيا ، وعزم ليس فيه انكسار ولا انخزال ، [أعاننا الله وإيّاك على طاعته ، ووفّقنا الله وإيّاك لمرضاته]» (١).
«منه» (قدس سره)
[٢٣] باب : حُسْن الخُلُق (٢)
محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن
____________
(١) الكافي ٢ / ١١٠ ح ٢٣ ، بحار الأنوار ٧٣ / ٧٥ ح ٣٩ ، مشكاة الأنوار ٢ / ١٩٣ ح ١٥٦٢ ; وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
(٢) أي : حُسن المعاشرة. منه قُدّس سـرّه.