قديرٌ) (١).
ومنه : قوله تعالى : (وقال موسى ربّنا إنّك آتيت فرعونَ ...) إلى قوله : (دعْوَتُكُما) (٢).
واعلم أنّ في الآية الثانية دلالة واضحة على أنّ الأنبياء تورّث المال ; لأنّ زكريّا عليه السلام أراد بدعائه وطلبه مَن يرثه ، وتحجب (٣) بني عمّه وعصبته من الولد ، وحقيقة الميراث إنّما هي انتقال ملك الموروث إلى ورثته بعد موته بحكم الله تعالى ، وحمل ذلك على العلم والنبوّة خلاف للظاهر ، ولأنّ العلم والنبوّة لا يورثان ، كما قلناه أوّلا ..
على أنّه إنّما سأل وليّاً من ولده يحجب مواليه من بني عمّه وعصبته من الميراث ، ولا يليق إلاّ بالمال ; لأنّ النبوّة والعلم لا يحجب الولد عنهما بحال من الأحوال.
وأيضاً اشتراطه أن يجعله رضيّاً لا يليق بالنبوّة ; لأنّ النبيّ لا يكون إلاّ رضيّاً معصوماً ، فلا معنىً لمساءلته ذلك ، وليس كذلك المال ; لأنّه يرثه الرضي وغيره ، ومعنى : (واجعله ربِّ رضيّاً) ، أي : اجعل ذلك الوليّ الذي يرثني رضيّاً عندك ، ممتثلا لأمرك ، عاملا بطاعتك.
وقوله : (إنّي خفتُ المواليَ) (٤) ، أي : خفت تضييعهم مالي
____________
(١) سورة النور ٢٤ : ٤٥.
(٢) سورة يونس ١٠ : ٨٨ و ٨٩ ; ونصّهما : (وقال موسى ربّنا إنّك آتيت فرعونَ وملأَهُ زينةً وأموالا في الحياة الدنيا ربّنا ليُضلّوا عن سبيلك ربّنا اطْمِسْ على أموالهم واشدُدْ على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يرَوُا العذابَ الأليم * قال قد أُجيبت دعْوَتكما فاستقيما ولا تتّبعانِّ سبيلَ الّذين لا يعلمون).
(٣) كذا في النسخ المخطوطة.
(٤) سورة مريم ١٩ : ٥ ; ونصّ الآية : (وإنّي خفتُ المواليَ من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليّاً).