وأعجب من هذا : ما أخرجه في الجامع في حديث أوس المذكور ; فإنّه قال : قال أبو داود : إنّما سألا ـ يعني عليّاً وعبّاساً ـ أن يصيّره نصفين بينهما ، لا أنّهما جهلا أنّ النبيّ قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، فقال عمر : لا أوقع عليه اسم القسم ، أدعه على ما هو. انتهى كلامه (١).
وأقول :
توجيه هذا باطل ، يظهر ذلك لمن تأمّل الروايات المذكورة ، وليت شعري! بمَ يوجّه أبو داود قول عمر : تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها؟!
وقول عمر لعليّ وعبّاس : تزعمان أنّ أبا بكر فيها كاذب. وفي رواية : كاذباً ، آثماً ، غادراً ، خائناً ، وقوله : فرأيتماني كاذباً ، آثماً ، غادراً ، خائناً. ـ كما ذكرناه آنفاً ـ وهو بحضرة من جميع الصحابة ، ولم ينكر أحد على عليّ والعبّاس ، ولم يعتذرا (٢) من ذلك القول ، واستمرّا عليه إلى أن ماتا عليهم السلام ; فكيف الجمع بين هذه الأقوال وبين اعترافهما بكونها صدقة ، وهذا بعينه هو الجمع بين النقيضين.
____________
(١) انظر : جامع الأُصول ٢ / ٧٠٤ الفرع الرابع : في الفيء وسهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
والحديث طويل وذو شجون ، ولله درّ المصنّف (رحمه الله) ; إذ استدلّ بلسان القوم وكلماتهم ، وهم يتناقضون ، فحقيق أن يتعجّب ..
انظر : تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ : ٦٨ ، له مقالة ينقلها عن أبي القاسم البغوي ، وأبو بكر الشافعي ، في فوائده ، عن عائشة ، أنّها قالت : اختلف الناس في ميراث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فما وجدوا عند أحد من ذلك علماً ، فقال أبو بكر : سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول : إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.
ونقله ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة : ٣٤.
(٢) في «مج» و «ب» : «يتعذّرا».