لهم تصبّ ضمن برنامج التربية والتزكية والتعليم ; ولذلك عقّب تعالى بُعيد هذه الآية بقوله تعالى : (لقد مَنّ اللهُ على المؤمنين إذْ بعثَ فيهم رسولاً من أنفسهم يتْلو عليهم آياتِهِ ويزكِّيهِم ويعلِّمُهُمُ الكتابَ والحكمةَ وإنْ كانوا من قبلُ لفي ضَلال مُبين) (١).
فمشاورته لهم تندرج في تزكيته وتعليمه لهم ; إذ أنّ المشورة تعني : الفحص عن المعلومات ، وملابسات الأشياء ، ووجوه الأُمور ، وهي عبارة عن التوصية بجمع المعلومات ، وتحريّ الوصول إلى الحقيقة والواقع من الجهات العديدة ، نظير : «أعْلَم الناس مَن جمع علوم الناس إلى علمه» (١) ، و : أعْقَل الناس مَن جمع عقول الناس إلى عقله ..
أي : الاستشارة الخبروية ، لا تحكيم رأي الأكثرية بصفة الكثرة ، بل المدار : الصواب ، ولو كان عند واحد ذي خبرة عالية.
فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) يربّي المسلمين على سُنّة الاستشارة وتمحيص الرأي في أُمورهم وتدبيرهم ، مضافاً إلى ما في ذلك من جلب تفاعلهم مع الأحداث ، والقيام بالمسؤولية ، ولتمييز الناصح من الخاذل المتخاذل في العلن وأمام الناس ، ولتنكشف النوايا والخبايا ، ولتتكوّن بصيرة لدى القاعدة من عموم الناس ..
كما في استشارته (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه قبل واقعة بدر ، عندما أفلتت عير قريش ، فقام الأوّل وأظهر الخوف من قتال قريش ، فأجلسه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ قام الثاني فقال مثل صاحبه ، فأجلسه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ قام المقداد
____________
(١) سورة آل عمران ٣ : ١٦٤.
(٢) المحاسن ١ / ٣٦٠ ح ٧٧٣ ، الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : ٧٣ ضمن ح ٤١ ، معاني الأخبار : ١٩٥ ضمن ح ١.