الانفتاح على البحث العقلي الكلامي يعني التقدم على حساب صالح الفقه ـ قرآنا وسنة ـ ففي تصورهم يوجد تقابل حدي بين الفقه والكلام ، يوضح ذلك الكلمة المنسوبة إلى أحد رجالهم.
«حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في العشائر والقبائل ، ويقال هذا جزاء من ترك السنة وأخذ في الكلام» (١).
هذا التصور اجابت عنه عمليا مدرسة الشيعة التي أخذت على عهدتها التفرغ لكل من المهمتين ، والتوفيق بين العقل والدين.
وبهذا يمكن أن نسجل نقطة امتياز للشيعة على المعتزلة الذين يقفون في نفس الخط.
فقد لوحظ ان الاهتمام الكلامي عند المعتزلة أحدث عندهم انحسارا عن المهمة الفقهية ، فتركوا الساحة لغيرهم ـ إلا ما ندر ـ وربما يكونوا قد عولوا في ذلك على تفرغ المحدثين لهذه المهمة.
الأمر الثاني : وبحكم صعوبة البحث الكلامي ، وجدته في الوقت نفسه ، وخطورة موضوعه ، كان اطلاق العنان لكل الناس في خوضه والامعان فيه شيئا غير صحيح.
ولعل هذه الخطورة هي التي حدت بالسلف والمحدثين إلى الوقوف بوجه البحث الكلامي واعتباره بدعة وضلالا.
وبلا شك ، كان الايغال في هذه المباحث سببا مساعدا على ظهور حركة الالحاد والزندقة التي سندت نفسها بطابع العلمية والمنهجية.
__________________
(١) مفتاح السعادة / ج ٢ / ٢٦.