لأنها محذوفة في اللفظ لالتقاء الساكنين ، وأهل المدينة يحذفونها في الوقف ويثبّتون أمثالها في الإدراج ، واعتلّ لهم الكسائي بأنّ الوقف موضع حذف ، ألا ترى أنك تحذف الإعراب في الوقف (١).
(ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) (١٤٧)
(ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ ما) في موضع نصب والمعنى أن الله جلّ وعزّ لا ينتفع بعذابكم ولا بظلمكم فلم يعذّبكم (إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) أي يشكر عباده على طاعته ومعنى يشكرهم يثيبهم.
(لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً) (١٤٨)
(لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) أي لا يريد أن يجهر أحد بسوء من القول ، وتمّ الكلام ثم قال جلّ وعزّ (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) استثناء ليس من الأول في موضع نصب أي لكن من ظلم فله أن يقول ظلمني فلان بكذا ، ويجوز أن يكون «من» في موضع رفع ، ويكون التقدير لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء إلا من ظلم ، ويجوز إسكان اللام ومن قرأ (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) (٢) فلا يجوز له أن يسكن اللام لخفة الفتحة وتقديره ما يفعل الله بعذابكم إلا من ظلم.
(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) (١٤٩)
(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) أي من القول السيئ. (أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) أي أن تبدوا خيرا فهو خير من القول السّيئ أو تخفوه أو تعفوا عن سوء مما لحقكم فإنّ الله يعفو عنكم لعفوكم.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١٥٠)
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ) اسم «إنّ» والجملة الخبر (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) أي بين الإيمان بالله ورسله. (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) وهم اليهود آمنوا بموسى صلىاللهعليهوسلم وكفروا بعيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ) ولم يقل : ذينك لأن ذلك يقع للإثنين كما قال جلّ وعزّ (بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨] في سورة «البقرة» ، ولو كان ذينك لجاز ، والمعنى ويريدون أن يتّخذوا بين الإيمان والجحد طريقا.
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٣ / ٣٩٧.
(٢) انظر البحر المحيط ٣ / ٣٩٨.