(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٩)
قول أبي هريرة في هذا : أنه يكون إذا نزل المسيح صلىاللهعليهوسلم وصار الدّين كلّه دين الإسلام.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٣)
قال قتادة : فلو لا أنه بيّن التجارة لطلبت قال : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) وكان أبو الحسن علي بن سليمان يذهب إلى هذا ويقول «تؤمنون» على عطف البيان الذي يشبه البدل ، وحكى لنا عن محمد بن يزيد أن معنى «تؤمنون» آمنوا على جهة الإلزام. قال أبو العباس : والدليل على ذلك (يَغْفِرْ لَكُمْ) جزم لأنه جواب الأمر وعطف عليه (وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
فأما قول الأخفش سعيد : إنّ (وَأُخْرى) في موضع خفض على أنه معطوف على تجارة فهو يجوز ، وأصحّ منه قول الفراء : إنّ «أخرى» في موضع رفع بمعنى ولكم أخرى يدلّ على ذلك (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) بالرفع ولم يخفضا وعلى قول الأخفش الرفع بإضمار مبتدأ (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أي بالنصر والفتح. والنصر في اللغة المعونة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) (١٤)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) قراءة أهل المدينة وأبي عمرو ، وقرأ الكوفيون (كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) بالإضافة وهو اختيار أبي عبيد وحجته في ذلك (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) ولم يقولوا : أنصار الله. وهذه الحجة لا تلزم لأنها مختلفان لأن الأول كونوا ممن ينصرون الله فمعنى هذا النكرة فيجب أن يكون أنصارا لله وإن كانت الإضافة فيه تجوز أي كونوا الذين يقال لهم: هذا ، والثاني معناه المعرفة. ألا ترى أنك إذا قلت : فلان ناصر لله فمعناه ممن يفعل هذا ، وإذا عرفته فمعناه المعروف بهذا ، كما قال : [البسيط]
٤٨٣ ـ هو الجواد الذي يعطيك نائله |
|
حينا ويظلم أحيانا فيظّلم(١) |
__________________
(١) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ١٥٢ ، وسرّ صناعة الإعراب ١ / ٢١٩ ، والكتاب ٤ / ٦٠٠ ، وسمط اللئالي ص ٤٦٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٤٠٣ ، وشرح التصريح ٢ / ٣٩١ ، وشرح شواهد الشافية ٤٩٣ ، وشرح المفصّل ١٠ / ٤٧ ، ١٤٩ ، ولسان العرب (ظلم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٨٢ ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ١٤١ ، وشرح الأشموني ٣ / ٨٧٣ ، وشرح شافية ابن الحاجب ٣ / ١٨٩ ، ولسان العرب (ظنن).