وانظر كيف رفع الله قدر هذه الأمة ، وأعلى شأنها ، وكيف جعل غذاءها السماوىّ الذي أنزله عليها غذاء يتصل بالروح ، ولم يجعله فيما يقدم إلى البطن والمعدة ، وفى ذلك ما فيه من كرامة وتكريم لهذه الأمة ، التي تتلو القرآن وتدين بالإسلام ، وتتعبد بقول الحق جل وعلا فى شأنها : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (١١١ : آل عمران).
فمن شأن القرآن أن يقيم المتصلين به على طريق الحق ، فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويؤمنون بالله!
إن الذي يستقيم على دعوة القرآن ، لهو إنسان سليم فى كيانه ، معافى فى نفسه ، ثم هو مع ذلك قادر على أن يحمل الهدى إلى غيره ، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويكون خليفة الله فى الأرض ، وخليفة الرسول فى الدعوة إلى الله ، وهداية الناس إليه.
ولكن صحبة المسلمين للقرآن لم تكن قائمة على العدل والإحسان فى جميع الأحوال .. فكثيرا ما أساء المسلمون تلك الصحبة ، وأوسعوها جفاء وعقوقا ، حيث يعيش القرآن فيهم غريبا .. لا يقفون عنده ، ولا يلتفتون إليه ، ولا يتدبرون آياته ، ولا يتلقون بعض ما فيه من خير وهدى!
* * *
والجفوة التي بين المسلمين وبين القرآن الكريم جفوة غليظة مستحكمة ، قد تداعت عليها دواع كثيرة ، أحكمت بنيانها ، وثبتت دعائمها ، فلم يعد بين المسلمين وبين القرآن طريق يصلهم به إلا تلك الطرق الدارسة الطامسة ، التي تتصاعد منها أتربة وأدخنة ، تعمّى على الناظر منهم فى كتاب الله ، وجوه الحق والخير التي فيه.