وفى هذه الصورة المفزعة ، فى هذا الرجل الفاني ، وصغاره ، وجنته المزهرة المعجبة المثمرة ، عبرة لمعتبر!.
فلقد أضاع الرجل جنته بيده ، وحرقها بسموم أنفاسه! إنه كان من المحسنين ، الذين غرسوا فى مغارس الخير ، وكان يرجى لغراسه هذا أن يكون منه زاد لصغاره بعد مماته ، كما يكون منه الزاد الطيب العتيد له يوم حسابه ، فإن المحسن فى الدنيا تعود نفحات من إحسانه على ذريته من بعده ، كما يقول الله سبحانه وتعالى فى الغلامين صاحبى الجدار ، فى قصة موسى والعبد الصالح : (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً). (٨٢ : الكهف)
ولكن الرّجل أفسد كلّ شىء ، وأتلف ما غرس بيده ، إما لأنه كان كافرا لم يتقبل الله منه عملا أصلا ، وإما لأنه كان مؤمنا محسنا ، ولكنه يبطل إحسانه بالمنّ والأذى!.
فلينظر الإنسان أين يكون مكانه فى المحسنين : أيكون محسنا مؤمنا ، لا يبطل إحسانه بالمنّ والأذى .. أم محسنا مؤمنا ، يسلّط على إحسانه منّه وأذاه فلا يبقى على شىء منه .. أم يكون كافرا يمحق كفره كل شىء ، ويأتى على كل صالح؟ (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).
____________________________________
الآية : (٢٦٧)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (٢٦٧)
____________________________________
التفسير : آفة أخرى من الآفات التي تتسلط على إحسان المحسنين ،