وإن لم تكن من تلك الآفات التي تأتى على كل إحسان ، ولكنها تغيّر وجهه ، وتهزل كيانه ، وهى أن يمدّ المحسن يده إلى ما لا تطيب نفسه به ، ولا يشتد حرصه عليه ، من ماله أو متاعه ، أو طعامه ، فينفقه فى سبيل الله ، ونفسه مستغنية عنه ، زاهدة فيه .. والله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، فكيف يقدّم إليه ما عافته النفس ، أو استثقلته أو زهدت فيه؟ والله سبحانه وتعالى يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (٩٢ : آل عمران)
فقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) دعوة إلى الإنفاق من الطيب الذي تحبه النفس وتتعلق به ، وفى ذلك تغلّب على نوازع النفس ، واستعلاء على حرصها على هذا الطيب وتعلقها به ، الأمر الذي لا يكون إلا عن مجاهدة وإيثار وتضحية .. فإنه على قدر المشقة يكون الثواب!
وقوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) تنبيه وتحذير من نوازع النفس التي تغلبها الأثرة ، عن أن تنفق ـ حين تنفق ـ إلا من خبيث ما معها .. وتسمية الشيء المكروه أو المزهود فيه أو المستغنى عنه ـ خبيثا ، للتنفير منه ، ولاستبعاده فى مجال الإحسان ، والإنفاق فى سبيل الله .. والتيمم هو القصد ، فما كان عن غفلة فليس تيمما.
وقوله تعالى : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) الإغماض غمض الطرف تكرها ، وتقززا .. ومعنى هذا أن الإنسان لا يرضى أن يأخذ الشيء المزهود فيه أو المستغنى عنه ، أو المشوب المعيب بأية شائبة أو عيب ـ ـ إلا متكرها ، فكيف يعطى الإنسان ما هو معطوب معيب ، وهو لا يقبل أن يأخذ مثل هذا المعطوب المعيب؟ إن ذلك ليس عدلا ، وليس إحسانا!
قوله تعالى : (وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) دعوة إلى البذل والإنفاق فى سخاء ، وعلى يقين بأن الله سبحانه هو الغنى الذي لا تنفد خزائنه ، يربى صدقة