إلى مهارة وحذق للكشف عن مضمونها ، أو بعض مضمونها .. إذ كانت إنما تكشف المقطع السّطحى للحدث ، أو الجسم الذي تصوّره .. منقطعا عن الحركة ، والتجسيد.
أما الصورة السينمائية ، فإنها تتشكل من مئات وآلاف من «اللقطات» حتى تتجسم الأحداث والشخوص ، وتتكشف كل خافية كانت مختفية وراء الصورة «الفتوغرافية» ، فإذا هي تجمع بين الحركة والتجسيد ..
إن تكرار الأحداث القصصية في القصص القرآنى ، هو إعجاز من إعجاز القرآن الكريم ، تتجلّى فيه روعة الكلمة وجلالها ، بحيث لا يرى لها وجه في أية لغة ، وفي أية صورة من صور البيان ، يقارب هذا الوجه ، فى جلاله ، وروعته ، وسطوته.
وهل شهدت الحياة «الكلمة» تؤدّى ما يؤديه العمل «السينمائى» اليوم فى نقل المشاهد والشّخوص بأبعادها الثلاثة : (طولها ، وعرضها ، وعمقها) ، وبحركاتها ، وسكناتها ، ونطقها ، وصمتها؟ وكم تتكلف السينما لهذا العمل من لقطات؟ مئات وألوفا!!
أما النظم القرآنى ، فإنه يعرض المشاهد بأبعادها ، وأعماقها ، وحركاتها ، وسكناتها ، وبنطقها وصمتها ، وبوسوسة خواطرها ، وهجسات نفوسها ، وخلجات قلوبها ، ثم لا يكون ذلك كله إلا بعدد محدود من اللقطات ، لا يكاد يتجاوز أصابع اليد عدّا.
ومن تدبير القرآن الكريم في هذا ، أنه لم يجمع هذه «اللقطات» فى معرض واحد ، حتى لا تتراكب وتتراكم ، بل جعلها موزعة في مواضع متباعدة أو متقاربة في القرآن الكريم ، بحيث يمكن أن تستقل كل «لقطة» منها بذاتها مستغنية عن كل تفصيل ، ثم بحيث لو نظر ناظر إليها من خلال «اللقطات»