وزن ، ويكون لعداوته أو رضاه أثر .. أما العابد ، فلا وزن ، ولا أثر لعداوته أو رضاه ، فى من يعبده .. هكذا يجب أن يكون الحساب والتقدير ..
وثانيا : أنه لما كان الوجه البارز من هذه المعبودات هو هذه الأصنام الصمّاء الخرساء ـ فقد حسن أيضا ألا يكون من عاقل أن يعاديها ، لأنها لم يكن لها أن تفعل شيئا تعادى أو تحبّ من أجله .. وأنه إذا كان فيها من يفعل ، وهو الله سبحانه وتعالى ، فإن عداوته لمن يعادى أو رضاه عمن يرضى عنه ، هو من أمره وحده ، إذ المعتبر هنا ، هو عداوته لمن يعادى ، أو رضاه عمن يرضى ، لا عداوة من يعاديه ، ورضا من يرضى عنه!.
ثم إنه بعد أن استصفى إبراهيم من بين تلك المعبودات ، المعبود الحقّ ، الذي يعبده ، والذي ينبغى أن يعبده العابدون .. أخذ يعرض صفات هذا المعبود ، وما بين يديه من سلطان مطلق ، يحكم به في عباده .. فقال :
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ).
هذا هو الإله الحق ، مالك الملك ، ومن بيده النفع والضرّ ..
ويلاحظ هنا أن إبراهيم قد ذكر من صفات الله ـ سبحانه ـ ما يتناسب وربوبية الربّ لعباده .. فهو الذي يربّى عباده ، ويحوطهم بنعمه وآلائه .. فيهدى الضالّين ، ويطعم الجائعين ، ويلقى خطايا المخطئين من عباده بالعفو والغفران ، يوم الحساب والجزء .. ويروى الظّماء ، ويشفى المرضى ، ويحيى الموتى .. وفي هذا ما يكشف للقوم عن نعم الله وإحسانه إلى عباده .. وفي هذا ما يغريهم باللّياذ به ، واللّجأ إليه ، حتى لا يحرموا هذا الخير الكثير الذي في يديه.