إليهم كثيرا من أخبار الأولين ، وعرض عليهم صورا من الحياة الآخرة. والحساب ، والجنة والنار ، ورأوا فيما سمعوا من آيات الله كثيرا من وجوه الاختلاف مع ما كانوا قد سمعوه من اليهود ـ لمّا كان هذا ، وقع في نفوس المشركين أن النبيّ إنما يأخذ من تلك الأخبار التي عند اليهود ، وينقلها نقلا مضطربا ، يخالف فيه الأصل الذي أخذ منه ، ولهذا جاء قوله تعالى : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ثم جاء قوله تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ليلفت هؤلاء المشركين إلى علوّ هذا القرآن ، وإلى أنه هو الذي يصحح لبني إسرائيل ما أحدثوا في الكتاب الذي بين أيديهم ، من تحريف وتبديل ، حتى وقع بينهم هذا الاضطراب والاختلاف ، لأنه من علم الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ..
هذا ، ولم يكن القرآن الكريم قد اتّجه إلى أهل الكتاب بعد ، فى هذا الدور من الرسالة الإسلامية ، ولم يكن لقى اليهود لقاء مباشرا .. فكانت هذه الآية إشارة إلى أن القرآن لم يجىء للمشركين وحدهم ، وإنما جاء كذلك إلى أهل الكتاب ، ليصحح ما دخل على هؤلاء وهؤلاء من أباطيل ، أفسدت العقيدة ، وغيّرت معالم الحق فيها .. وأكثر ما اختلف فيه بنو إسرائيل مقولاتهم في المسيح ، وأنه ابن زنا ، وأنه ابن يوسف النجار ، وأنهم صلبوه .. فجاء القرآن الكريم يقرر أن المسيح عبد الله ورسوله ، وأنه نفخة من روح الحق ، وأنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ..
ومما اختلف فيه اليهود والنصارى قولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) فجاء القرآن يكذب هذا الادعاء.
فقال تعالى لنبيه : (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ؟ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) (١٨ : المائدة)