إلى السلامة من التخبط بين هذه المقولات التي يلطم بعضها وجه بعض.
ولو أننا نظرنا إلى الآية الكريمة ، نظرا مقاربا ، دون شدها إلى أودية الغرائب والعجائب ، لرأينا أنها لا تحمل شيئا تستخرج منه هذه المقولات ، ولا تحتمل شيئا يساق إليها مما قيل ..
فالآية الكريمة ترسم مع الآيات التي قبلها ، صورة واضحة الألوان والظلال لأولئك المشركين ، الضالين ، الذين ماتت مشاعرهم ، وعميت أبصارهم وصمّت آذانهم .. فلا يعقلون ، ولا يبصرون ، ولا يسمعون شيئا مما يتلى عليهم من آيات الله .. فهكذا صورتهم الآيتان في قوله تعالى لنبيه الكريم : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا .. فَهُمْ مُسْلِمُونَ) «٥٢ ـ ٥٣ : الروم»
وهنا في هذه الآية تكتمل الصورة ، حين تصل حياتهم الجارية في ريح الأمن والسلامة ، بحياتهم التي يطرقهم فيها طارق الموت .. وفي هذه الحالة ينكشف لهم كل شىء .. وإذا عقولهم عاقلة ، وآذانهم سامعة ، وعيونهم مبصرة .. كما يقول الله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا ، فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ). «٢٢ : ق»
ففى هذا الوقت ينكشف الغطاء عن الحق الذي ضلوا عنه ، وإذا دواب الأرض تنطق ، وإذا هم يفقهون حديثها ، ويفهمون نطقها ، وكانوا في دنياهم قد عجزوا عن أن يفقهوا أو يفهموا ما تحدثهم به آيات الله بلسان عربى مبين .. وفي هذا يقول الله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (٥٣ : فصلت).