وفي قولهم : (لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا) ما يكشف عن مدى ما ركب القوم من سفه وضلال ، إذ يرون أن ما هم فيه من ولاء لهذه الأصنام ، هو الهدى ، وأن ما يدعوهم إليه النبيّ من الانخلاع عنها ، هو الضلال!! ألا ساء ما يحكمون.
وفي قوله تعالى : (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) هو ردّ على مقولة المشركين : (لَيُضِلُّنا) .. فإن الضلال هو ما هم فيه .. وسوف يعلمون ذلك ، حين ينكشف الغطاء ، ويساقون إلى جهنم .. حيث لا ينفع العلم ، ولا ينصلح ما فسد ..
قوله تعالى :
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً).
هو استفهام يراد به الإغراء برؤية هذا الأمر العجيب المنكر ، الذي يتلبس به ذلك الإنسان الضال ، الذي اتخذ إلهه هواه ، وجعله معبودا ، يعطيه ولاءه ، ويسلم إليه إرادته.
والخطاب للنبيّ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وإلفات له إلى هؤلاء الضالين من قومه ، الذين لعبت بهم الأهواء فلم تكن لهم أعين يبصرون بها ، إلى هذا الوجود ، وما فيه من آيات تحدث عن أن لهذا العالم خالقا خلقه ، ومدبرا حكيما أقامه على هذا النظام المحكم الدقيق ، ولم يكن لهم آذان يسمعون بها ما يتلى عليهم من آيات الله ، فصمّوا عنها ، واستمعوا إلى ما تحدثهم به أهواؤهم ، ـ فكان منهم هذا السخف ، وهذا الضلال الذي هم فيه ..!
وفي قوله تعالى : (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) إزاحة لهذا العبء الثقيل من الهمّ الذي كان يجده النبيّ ، وهو ينظر إلى سفاهة قومه ، وضلالهم ، ويعانى من ذلك ما يعانى من آلام .. إنه ليس وكيلا عليهم ، يحمل عنهم