موسى في المدينة بالدخول ، يشير إلى أنه كان يعيش خارجا عنها .. وقلنا إن ذلك كان في قصر فرعون ، الذي كان في أطراف المدينة ، أو ظاهرها ..
وثانيا : أن هذا الرجل جاء «يسعى» أي في عجلة ولهفة ، يستبق الأحداث قبل أن تفلت من يده ، وتتجه اتجاها غير الذي يراد لها أن تتجه إليه ، ثم لا يستطيع التصرف فيها من غير أن تثير دخانا ، أو تؤجج نارا ..
وثالثا : ما أسرّ به الرجل إلى موسى في قوله تعالى : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) ، ففى هذا القول ، الذي يملأ قلب موسى خوفا وفزعا ، تهيّأ المطيّة الذلول التي يطير بها موسى ، إلى حيث يختفى من مصر ، دون تمهل أو توقف.
ورابعا : فى قول الرجل لموسى : (فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) تحريض قوى لموسى على الفرار .. وأنه إنما تلقى نصيحة ناصح أمين ، يشفق عليه ، ويود الخلاص له مما تورّط فيه .. إنها كلمة رجل السياسة دائما .. إنه ناصح أبدا لكل من يتحدث إليه ، ولو ألقى به في التهلكة!!
أرأيت كيف يقيم لنا هذا الفهم الذي فهمنا عليه الآية منطقا سليما ، تستقيم عليه مجريات الأحداث ، وتتشكل منها وحدة متكاملة متجانسة ، فى حركتها إلى الغاية المقدورة لها؟.
تلك هي آيات الله ، وذلك هو بعض ما يرى من وجوه إعجازها المبين.
أما أن يقال إن هذا الرجل الذي جاء يسعى ناصحا لموسى ـ هو مؤمن آل فرعون ، الذي أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) .. فهو قول مردود ، لأن موسى لم يكن قد حمل الرسالة بعد.