فنزول القرآن على هذا الأسلوب ، يثير أشواق المؤمنين ، الذين كانوا ينتظرون كل يوم خيرا جديدا ، ينزل من السماء فيلقونه ، بوجودهم كله ، حتى لكأن الذي نزل عليهم ليومهم هو كل القرآن الكريم .. وهكذا كانت الآية أو الآيات المنزلة ، تمثل القرآن الكريم كله ، حيث يرون فيها دعوة الإسلام ، ورسالته .. عقيدة وشريعة ، وبهذا يرون مع كل وحي بتلقاه الرسول دعوة مجددة إلى الله ، وإلى دين الله ، فيزدادون إيمانا ويقينا ، ويترشفون ما يروى ظمأهم من هذا المورد العذب .. قطرة قطرة ، فيكون ذلك أنقع وأنفع .. أما المشركون فإن لهم فى نزول القرآن ـ منجما ـ واعظا يطلع عليهم من آيات الله مع كلّ وحي يوحى إلى الرسول ، وإن لهم من كل آيات تتنزل ، نذيرا ، يختلف وجهه ، وتختلف طلائع نذره عن سابقه .. وهكذا يدخلون مع كل وحي يوحى ، فى صراع جديد ، وفي تجربة جديدة ، وفي هذا ما يقيمهم دائما على اتصال بالدعوة ، طوال هذه المدة التي نزل فيها القرآن .. وهذا من شأنه أن يصفى ما بالنفوس من شر وخير ، يوما بعد يوم ، وفي كل يوم يزداد أهل الخير قربا من الإسلام ، على حين يزداد أهل الشرّ بعدا ونفورا ..
قوله تعالى :
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ)
المراد بالذين أوتوا الكتاب هنا ، هم بعض اليهود والنصارى ، الذين دخلوا فى الإسلام ، وقد عرفوا أنه الحق من ربهم ، وأنه الدين الذي كانوا ينتظرون الرسول المبلغ له ، والذي بشرت به التوراة والإنجيل.
ـ وقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِهِ) متعلق بآتيناهم ، أي آتيناهم الكتاب من قبل هذا الكتاب الذي نزل على محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه.