الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)
هو استحضار لأهل الكتاب في شخص اليهود ، ثم استدعاء لليهود في شخص أغنيائهم ، وأصحاب الثراء فيهم ، ممن هم على شاكلة أبيهم قارون .. وهذا الاستدعاء هو نذير لليهود من قبل أن يلقاهم الرسول لقاء مباشرا ، حتى يأخذوا حذرهم لأنفسهم من أن يقفوا من قومهم موقف قارون في أجدادهم ، حين يدعوهم الرسول إلى الله ، فيتصدّى منهم «قارون» أو أكثر من «قارون» لهذه الدعوة .. فإنهم إن فعلوا أخذهم الله كما أخذ قارون من قبل ..
ففى قوله تعالى : (فَبَغى عَلَيْهِمْ) أي خرج من محيطهم ، وانحاز إلى فرعون ، ونسى أنه على دين يلتقى مع هذا الدين الذي جاء به موسى .. وقد جاءت الأيام بصدق هذه الصورة ، فيما كان بين أغنياء اليهود من تحالف بينهم وبين المشركين على محاربة الدعوة إلى الإسلام ، سرا وجهرا .. فكان أن أخذهم الله بما أخذ به المشركين ، كما أخذ الله قارون بما أخذ به فرعون ، وفي هذا يقول الله تعالى : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها .. وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) (٢٦ ـ ٢٧ : الأحزاب)
ـ وقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) :
الفاء هنا للتعقيب ، بمعنى أن هذا الذي آتاه الله قارون من كنوز ، قد كان بعد أن بغى على قومه ، وانحاز إلى فرعون ، وفي ذلك استدراج من الله سبحانه وتعالى له ، حتى يغرق في الغى والبغي ، كما يقول سبحانه : (أَيَحْسَبُونَ