المكروه ، هو الفرح المبالغ فيه ، والذي يخلى نفس صاحبه من كل شعور بقدرة الله ، وبما لهذه القدرة من تصريف في شئون العباد ، وتقلّب أحوالهم .. فلو ذكر المرء هذا في حال من أحوال فرحه ، لتخفف كثيرا مما هو فيه من فرح ، ولعلم أنها حال لا تدوم ، وأنه إذا لم يكن في مجريات الأحداث ما يقطع هذه الفرحة ، قطعها الموت ، وما وراء الموت من حساب وجزاء ..
«والفرح» صبغة مبالغة من فرح ..
قوله تعالى :
(وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ..
هذا مما وصّى به أهل الصلاح والتقوى من قوم موسى ، «قارون» ، هذا الذي استبد به العجب بماله ، واستغواه الغى ، بما ضمت عليه يده من سلطان بهذا المال ..
فهم يدعونه إلى أن يسلك بهذا المال ، الطريق الذي تحمد عواقبه ، وتتم به تلك النعمة.
وقد نصحوا له ألا يستبد به الفرح بما ملك ، وفي ذلك إيقاظ له من سكرة هذا المال ، حتى إذا صحا ، دعوه إلى ما ينبغى أن يسوس به ماله هذا ، فيطلب به رضا الله ، ويقدم منه ما ينفعه في الآخرة ، ويأخذ منه ما يصلح به شئون دنياه ، فيجمع بذلك خير الدنيا والآخرة جميعا .. وأن يحسن وينفق في وجوه الخير ، مثل ما أحسن الله إليه ، فيلقى إحسان الله بالإحسان إلى عباد لله ، فذلك هو زكاة هذه النعمة ، وألا يتخذ من هذا المال أداة للفساد والإفساد