من إيتاء الله سبحانه وتعالى الكتاب والحكم والنبوة ، للكثير ممن اصطفى من عباده ..
وردّنا على هذا :
أولا : أن هذا لا يدفع أن يكون الله سبحانه وتعالى قد ابتدأ قارون بهذه النعمة ، وأولاه هذا الإحسان .. ثم كان منه هذا الكفران بالله ، والجحود لفضله عليه ، والله سبحانه وتعالى يقول : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ) (١٧٥ ـ ١٧٦ : الأعراف).
وثانيا : أن قول قارون : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) ـ هو دعوى يدّعيها ، ويبرر بها إضافة هذا المال إلى كسبه بوسائله ، تلك الوسائل التي أشرنا إليها .. فهو ـ فى تقديره ـ كان يحسب أن هذه الوسائل هي التي جلبت له هذا الثراء العريض ، وهذه الوسائل ـ فى تقديره ـ هى علم يحسنه وحده ، ولا يحسنه غيره .. وهذا لا يمنع من أن تكون تلك الوسائل في ذاتها غير فاعلة ، وإن بدا في الظاهر أنها هي التي يردّ إليها هذا الذي اجتمع في يديه من مال .. وأن هناك أسبابا خفية ، هى التي جلبت له هذا الثراء ، على غير تقدير منه.
وثالثا : قد يسند الإيتاء إلى الله سبحانه وتعالى للنقمة في ثوب النعمة ، كما قال تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها) (٥٩ : الإسراء) .. فالذى آتاه الله ثمود هنا ـ وهو الناقة ـ كان بلاء وهلاكا.
ورابعا : أن إسناد هذا الفعل لله ، إنما هو من مقولة القوم ، الذين ينظرون إلى هذا المال الذي اجتمع ليد «قارون» كما ينظرون إلى كل شىء يناله الإنسان في هذه الدنيا ، وهو أنه من عند الله .. إذ كان القوم مؤمنين بالله ، وقولهم هذا هو على ما جرت به عادة المؤمنين ، من إضافة كل شىء