قوله تعالى :
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
إنها الفتنة تتحرك في هذا الموكب ، الذي تحتشد فيه زخارف الحياة ، حيث يخرج قارون في موكبه الحاشد ، وقد ظهر فيه سيدا عظيما في زى أصحاب الملك والسلطان ، وبين يديه ومن خلفه الجنود والأعوان .. فتحركت مع هذا الموكب أهواء النفوس وشهواتها ، وتطايرت من العيون قطرات الاشتهاء والتمني ، فقال الذين همهم هذه الدنيا وحدها ، وليس للآخرة نصيب يشغل به تفكيرهم ، ويصرف إليه همهم ـ قالوا : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ .. إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) .. وهكذا تعظم الدنيا في عين طلابها ، فإن فاتهم شىء منها مما وقع لغيرهم ، تقطعت نفوسهم أسى وحسرة على حظهم المنكود ، ذلك ، ولو لم يكن ينقصهم شىء مما يحتاجون إليه لحفظ حياتهم ، من طعام ، وكساء ، ومأوى .. وإنما هو الغيرة والتنافس في متاع الدنيا ..
قوله تعالى :
(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ).
وهذه نظرة أهل الحق والعلم إلى الدنيا .. إنها نظرة قائمة على حساب سليم مع الحياة الدنيا ومتاعها .. فهى عندهم ظل زائل ، ومتاع قليل ، وحسب الإنسان منها أن يأخذ في حمد ورضى ، ما قسم الله له ، وأن يطلب الرزق من وجوه سليمة مستقيمة ، وأن يؤدى حق الله والعباد فيما آتاه الله .. ثم لا يصرفه شىء من هذا عن طلب الآخرة ، والإعداد لها ، وابتغاء مرضاة الله بالأعمال الصالحة ..